إلى حبيب الزيودي .. "علامك غبت والدنيا تشارين"
د. محمد عبدالكريم الزيود
27-10-2019 01:28 PM
أعرفُ أنّكَ الآن تستريح، فقد أتعبتكَ الدنيا، وها أنتَ ترقد بلا مشاغبة هنا في "المسرّة" مع أبيكَ وأعمامك، ترقدُ ولم تعدْ مشغولا بكتابة قصيدة، أو أنْ تطارد غزالا نافرا جفلَ منكَ في شوارع عمان.
أكتبُ لكَ يا صديقي في ذكرى رحيلك السابعة، تعالَ معي نصعدُ "جبل القرين"، هُنا الخريف يرخي عباءته على هذي المروج، وبين ظلال السنديان يغيبُ صوت الناي، ويجلس الراعي وحيدا، ولم تعد تحفل دروب العالوك بالعاشقين، لم تعد بنات المدارس يقرأن رسائل الورق ولا يخبئن القصائد، تخيّل يا صديقي، لم يعد الشعراء بعدك يكتبون لقمر العالوك، ولا للقهوة التي تفوح قبل الفجر، ولا لصوت الربابة تجرّ في المضافات، لم يعد أحد يكتب للفرسان ولا للخيل التي تصهل كلمّا لاح ضيف، لم يعد يكتبون لجدائل الصبايا التي تهبّ كلمّا لاعبها نسائم الغربي، لم يعد يكتب الشعراء للدموع التي تفيض شوقا، وللقلوب التي أتعبها هوى البلاد.
هو تشرين يفتقدك يا حبيب، "علامك غبت والدنيا تشارين"، كنتَ هنا تشعل النار على أعواد التين والعنب، وتجمع الفتية كل مساء، تقرأ عليهم آخر قصائدك التي ما زالت ندية، وتضحكون وتبكون من وجع البلاد وعلى آخر الهنود الحمر.
لم نعدْ نقرأ شعرا يفوح منه الريحان والنعنع، أو رائحة مدارق الأمهات عند الفجر، أو قصائد تشتعل بصوت نمر بن عدوان، وسيرة حابس ووصفي وزناد البلقا، وصايل الشهوان وإبن غدير.
عُدّ إلينا وقُل: أنّ بلادنا بخير، وأنّنا سنستعيدها ذات ضُحى في قلبٍ لا يملؤه الشكّ، وأنّ رصيد البلاد من السيوف والفرسان والطيب والقصائد والعشق ملأى، وأنّ تاريخ الوطن والشهداء والوجدان والدّم لا يباع.
عُدّ إلينا ساعة يا صديقي، فالأربعون تنتصف والعُمر يمرّ كغزالٍ شارد، عُدْ إلينا وأكتب آخر قصائدك، بأنّ بلادنا بخير، وأنّ هذه غيمة ستمرّ مثل غيم العالوك في ليلة تشرين.