اتفاقية جديدة لازالة الالغام في الاردن.. ربما تكون هي العلامة الفارقة لحوارات معمقة دارت على مدار يومين طويلين في مقر قيادة حلف شمال الاطلسي, الذي يتربع على مساحة واسعة من اراضي العاصمة البلجيكية بروكسل, بين وفد صحافي واعلامي اردني وكبار ممثلي الدول المنضوية تحت لوائه, بمن فيهم نائب الامين العام, كانت التوافقات فيها نادرة في خضم وجهات نظر تكاد تكون متعارضة تماما بين اولويات عربية تمثلها طبيعة الوفد والمشاركين فيه, وبين اهتمامات دولية اطلسية في افغانستان وغيرها, من الصعب ابتلاعها امام التعنت الاسرائيلي المزمن ضد اية تسوية سلمية عادلة للقضية الفلسطينية, التي تبقى محور النزاع ومثار عدم الاستقرار الشرق اوسطي.!

هذه الاتفاقية التي تعتبر الثانية من نوعها في مجال مساعدة الاردن على التعامل مع حقول لا تكاد تحصى من الالغام القابلة للانفجار في اية لحظة, تحت اقدام الابرياء من المواطنين الاردنيين القاطنين حولها, ومعظمها ناتج عن الحروب الاسرائيلية المتعاقبة التي شهدتها الاراضي الاردنية, قد تكون الثمرة المهمة حتى الان بالنسبة لمحاولات جاهدة من اجل تقديم صورة اخرى عن دور حلف شمال الاطلسي ويأخذ طابع المساعدة في مواجهة الاخطار بدلا من فرضها على الاخرين عبر ضرباته العسكريه التي توالت منذ تأسيسه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1949 وحتى الان, بقيادة 12 دولة في ذلك الحين على طرفي الاطلس في مقدمتها الولايات المتحده الاميركية والدول الاوروبيه الكبرى.!

اتفاقية ازالة الالغام التي جرى حفل التوقيع عليها في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني الحالي, ووقعها عن الجانب الاردني واحد من سفرائنا المتميزين هو الدكتور احمد مساعده السفير الاردني في بروكسل والمؤهل لدور قادم بالغ الاهمية في الشراكه الاورومتوسطية, ووقعها كذلك ممثل ايطاليا الدولة الراعية للمشروع في مجلس حلف الاطلسي حيث تقود تجمعا اوروبيا لتقديم مساعدة مالية واجهزة تقنية خاصة ودورات تأهيلية وتدريبية للمجتمعات المحلية المعنية في الزرقاء وجرش وعجلون, تبلغ قيمتها حوالي المليونين ونصف المليون دولار, بعد ان انتهت الاتفاقية السابقة المشابهة معها في القيمة والاهداف والتي تولت الاشراف على تنفيذها الهيئة الاردنية لازالة الالغام بمشاركة القوات المسلحة الاردنية وكان من نتائجها تحقيق نجاحات في تنظيف بعض مناطق الاغوار الحدودية من الغام وقنابل غير متفجرة, دفع العشرات حياتهم ثمنا لها في حوادث خطيرة خلال السنوات الماضية وما زالت تهدد بالمزيد من الضحايا.!

الحوار بحد ذاته مفيد حتى لو لم ينته الى شيء.. كما هو الحال فيما آلت اليه مناقشات جاده خلال سلسلة طويلة من اللقاءات الصحافية الاردنية مع كبار ممثلي حلف شمال الاطلسي الدبلوماسيين والعسكريين, وتناولت الاستراتيجية الاطلسية الجدية في توسيع قاعده التحالف الدولي حول اهدافه, واعطاء الطابع السياسي مجالا اوسع على حساب القوة العسكرية التي ترتد اليه في المقابل ايضا, والعمليات الحربية الجارية حاليا في افغانستان والتي لا يعرفون الى اين ستذهب بهم, والعلاقات المتوترة مع روسيا الاتحادية التي يحاولون احتواءها من دون جدوى, والحرب الدولية على الارهاب وتفاعلاتها المتشعبة والملتبسة, وما الى ذلك من اهتمامات امنيه اطلسية.. لا ندري متى ستصل هي الاخرى الى قناعة بضرورة التحرك نحو ارساء سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط في مواجهة الرفض الاسرائيلي المتواصل للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقله على ترابه الوطني, وفي سبيل وقف العمليات العدوانيه الاسرائيلية والممارسات التعسفية اليومية في الاراضي العربية المحتله.!.0

Hashem.khreisat@gmail.com
العرب اليوم.