مدونة السلوك الوظيفي .. العبرة في التطبيق
سلامه الدرعاوي
24-11-2009 03:04 PM
اصدرت وزارة تطوير القطاع العام مؤخرا كُتيبا بعنوان مدونة قواعد السلوك الوظيفي واخلاقيات الوظيفة العامة, هدفها النهوض بمستوى الخدمات الرسمية والارتقاء بالعامل البشري باسلوب حضاري وعصري من خلال تأصيل ممارسات النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد في العمل العام.
لا شك ان تلك القواعد التي تدعو الى الفضيلة في خدمة الجمهور مسألة في غاية الاهمية للارتقاء بالدولة العصرية وبناء مؤسسات القانون الذي حينها سيكون سيد الموقف, لكن التحدي الاكبر يكمن في التطبيق لا في التنظير.
في الاردن وخلال السنوات القليلة الماضية تسلل الى جسم الدولة الرسمي مجموعة من الاشخاص "المتفهلوين", وصفوا انفسهم بالليبراليين الجدد, لنكتشف انهم فاسدون جدد, استحدثوا نظرة دونية للعمل الرسمي من خلال التجاوزات التي احدثوها خلال توليهم المناصب العامة المختلفة.
تلك الفئة التي انكسرت شوكتها قبل شهور الا ان نهجهم ما زال مسيطرا على سياسات الوزارات والمؤسسات الرسمية عملت على تشويه اهمية المنصب العام من خلال ممارسات دخيلة كرسوها في المجتمع ادت في النهاية الى انتشار مظاهر الفساد على مستوى اداري عال في صنع القرار لدى مؤسسات حيوية ووظفوا الصلاحيات القانونية للمنصب العام في العمل تجاوزا خدمة لمصلحتهم الخاصة.
حالات التجاوز كانت كثيرة في السنوات القليلة, لعل ابرزها الاستعانة بمكاتب استشارية اجنبية لوضع خطط تنموية مترجمة من الخارج لم ينجح منها شيء ولا حتى طبق منها شيء مقابل مبالغ مالية خيالية دفعت من الخزينة والمنح الخارجية والقروض, متناسين كفاءات الاردنيين في اعداد تلك الخطط طيلة عقود من الزمن ودورهم في المساهمة الاقتصادية للعديد من دول الجوار, طبعا محاولاتهم التستر بتلك المكاتب الاستشارية تحت مظلة الاستفادة من تجارب الاجانب العصرية كانت سببا في خلق فجوة بين اجهزة الدولة وكوادرها التي بدأت تعيش حالة فراغ عملي بسبب غياب القناعة لتنفيذ تلك البرامج الدخيلة.
تطور سلبي ظهر في الفترة الاخيرة نحو العمل الوظيفي وهو استغلال المسؤول الحكومي وعلى اعلى المستويات الرسمية للصلاحيات الممنوحة له في إبرام صفقات جانبية لخدمة مصلحته الشخصية تظهر آثارها فور إقالته او تركه المنصب العام, حيث سرعان ما نجده متربعا على رأس مجلس ادارة احدى الشركات الكبرى التي كان لها معاملات مع وزارته, او نجده تعين مستشارا لا يستشار لاحدى تلك الشركات مقابل راتب خيالي, او تجده وكالعادة يفتتح مكتبا استشاريا ويوقع عقودا وهمية مع عدد من المؤسسات ورجال الاعمال بمبالغ طائلة تأتي من باب التنفيعات العامة.
تداعيات تلك الظاهرة السلبية امتدت لتصل الى طبقة الموظفين في الصف الثاني الذين اخذت نظرتهم لمسؤوليهم تزداد سوءا على ضوء ما يرونه من انفلات في الانفاق واستغلال للمنصب العام, فأخذت تنتشر مظاهر جديدة في الصرف من قبل مدراء المؤسسات المستقلة وعدد من الامناء العامين متناسين التحديات التي تعصف بالدولة ومقتنعين بانه لا رقيب ولا حسيب على اعمالهم.
لا يمكن لاية قواعد لتنظيم السلوك ان تكون فاعلة اذا لم تكن هناك ارادة حقيقية لمسؤولي الدولة باحترام المنصب العام واعادة الهيبة للوظيفة الرسمية التي اعدت لخدمة الاردنيين, وهذا لا يكون في المرحلة الراهنة من دون وجود مساءلة حقيقية على ما يحدث اليوم من تجاوزات تتطلب وقفة حازمة.
salamah.darawi@gmail.com
العرب اليوم.