لا تسمح قوى الغرب والشرق مجتمعة، بأن تمر أزمة على امتداد العالم، حتى لو كانت خلافا بين سائقين، دون أن يكون لها تدخل بشكل او بآخر في هذه الأزمة وتوابعها، إلّا أزمات العرب، تقف إزاءها موقف المتوسّم بمزيد من الإشتعال ومزيد من الحرائق.
تشتعل النار في بلاد العرب واحدة تلو الأخرى. لا يؤذي شررها المتطاير العالم. إنهم صامتون ولا تهمهم الفوضى ولا الانهيارات المتتالية لمشروع النهضة العربي.
يمعن العالم في إلهائنا عن فلسطين، أدركوا أن اليمن لم يعد بحاجة للسعادة، وأن بغداد يجب أن تزداد اضطراما، أما بيروت فتُدفع نحو الأتون دفعا، فيما لا تداوي دمشق جرحا إلا وينكأ آخر.
وبينما يضغط سد النهضة الأثيوبي على نيل المصريين، تشرق شمس سعيّد وسط غيوم ملبدة. لكننا ما زلنا محاصرون.
ما زلنا محكومون بالبحث عن غنائمنا الفردية، وما زلنا نواظب على أدوات دامية، والأسوأ أننا لا نقرأ ما تقوله الشعوب عن تخلّفنا وتراجعنا وعن بحثنا المضني عن حقوقنا الأساسية. ما زلنا نمضي نحو مزيد من الفوضى دون الإلتفات إلى أن الإمعان في هذا النهج لن يحقق شيئا على الأرض سوى مزيد من الحرائق.
لا حلول مع الفوضى، ولا حلول دون اجتثاث الفساد واقتلاع أشكاله واستئصال أسبابه. لكن هذا وحده لا يكفي دون أن تتوفر الإرادة الجمعية للناس بديمقراطية حقيقية تقدم برنامجا وتطبقه في ظل سيف الرقابة والتشريع.
سينتظر الناس في بلاد العرب مزيدا من الحرائق. لن يوقف اشتعالها قرارات من مجلس الأمن ولا زيارات لوزراء الدفاع. لن يفعل العالم شيئا حيال ذلك، لا أحد من قواه العظمى يملك حق المقامرة بميدان الصراع الذي أكملوا تأثيثه بالضحايا والتمويل والوقود. إنها القسمة الكبرى ونحن عنها غافلون.
على امتداد ميادين العرب في عواصمهم الكليمة، ترتفع الهتافات بإسقاط الأنظمة. ليس المهم في هذه اللحظات الفارقة، إسقاط الانظمة او إبقاؤها. لقد هتفوا ذات نيسان كئيب لسقوط النظام وقتما كانت الدبابة الأمريكية على الطرف الآخر لجسر الأعظمية، فهل تعافت بغداد من جراحها النازفة ؟ هل تعلّم متظاهرو درعا في بدايات الربيع العربي من درس الأعظمية، وهم يرون اليوم اقتتال الفرقاء على الحدود وفي العمق دون انتظار موافقة أو تصريح ؟
إن الأولوية في الحراكات هي لترتيب البيت سياسيا وديمقراطيا، ليكون هذا الترتيب رافعة منيعة للإقتصاد. ولا يضيرنا أبدا ان نبدأ متأخرين. إن المصيبة الكبرى هي ان لا نبدأ ابدا وان تستمر المسلسلات التي لا تأتي سوى بمزيد من عذابات الشعوب.
يمكن القول أن الهتافات على امتداد العواصم العربية قد اكْتَسَبت فضيلة البدء بالخروج من القيود التي فرضتها الأنظمة على رأي الناس وتعبيرهم، وأنها ليست سوى انعكاس واضح لمخرجات الديمقراطية الزائفة التي عطّلت تمثيلا حقيقيا للشارع العربي، ومنحت الناس تفويضا للخروج ورفع العقائر بصوت الألم والعذاب .