حين تكون "العشيرة" منظومة اجتماعية يمتد مداها الى "المواطنة" تحرص عليها وتتفانى في الدفاع عنها، فإنها تكون مُرحباً بها. الولاء لها لا يعني افتئاتاً على الولاء للوطن.
في حوار تم خلال الهاتف مع معالي الباشا حسين هزاع المجالي سألته عن رأيه في "العشائرية"، هل هو من مؤيديها دون قيد او شرط ام له بعض التحفظات عليها. كانت إجابته انه من انصارها شريطة الا تتحول الى "عشيرة عمياء"، بمعنى تتحول الى التعصب الاعمى فتفقد عندها هيبتها الانسانية.
وما عُرف عنها من ثراء قيمي يتجلى في الشهامة والكرم والتضحية في سبيل الواجب وتلبية حاجات اللائذين بها من المضرورين.
يعترف هذا الرمز الوطني الذي ورث قيم "العشائرية النبيلة" عن المرحوم والده دولة الشهيد هزاع المجالي ان هناك افراداً أساءوا الى "العشائرية" والقبلية، ولكن ذلك لا ينقص من قدرها، أساءوا اليها حين تجاوزوا على مُثلها العُليا، أساءوا اليها حين عقوا فضائلها.
وفي اجابته راح حسين المجالي يستذكر تراثنا العشائري الذي يضم في ثناياه أنبل القيم وأطهرها، يستذكر بحميمية ووُد اصيل متوارث.
وهنا اود التعقيب على ما ذكره في ضوء ما يتم عشائرياً وقبلياً في بعض بلداننا العربية والاسلامية حين راح بعض الأفراد خدمة لمصالحهم الخاصة يلتفون على قيم العشائرية والقبلية الأصيلة في بلدانهم مكرّسين "التجزئة" بين ابناء البلد الواحد، مخرجينها عن نقائها وطهرها.
ما نشاهده اليوم في بعض بلداننا وبخاصة بعد "الربيع العربي" يؤكد ما ذهبت اليه، من المستفيد من تأجيج "النعرات" الطائفية والقبلية والصدامات العشائرية؟ أليسوا الامبرياليين الذين يطمعون في خيرات هذه البلدان؟؟
وهنا أشير الى ما ذكره المفكر وعالم الاجتماع الكبير د. حليم بركات من "أن "العصبية" لا تنشأ في الفراغ بل تنبثق عن اوضاع اجتماعية اقتصادية معينة بالتفاعل مع او كردّة فعل لعصبيات مضادة.
من هنا ضرورة اعتبار ان كل عصبية هي جزئياً نتيجة لعصبية مضادة مما يؤدي الى نشوء حلقة مفرغة في مثل هذه العلاقات يصعب تجاوزها". (د. حليم بركات "الهوية" ص 178)
وفي موضع آخر يقول حليم بركات: "إن التحالف القائم بين الاقليمية والطائفية والعشائرية والطبقية والامبريالية والرأسمالية يزيد من كمية الغموض تجاه هذا الوضع المعقد" (المرجع السابق ص 17)
وكنتيجة لهذا التحالف –وانا هنا لا أعمم- يغيب "الوعي القومي"، "وترقد جذور قوى التجزئة" وفق كلمات حليم بركات.
أعود الى ما ذكره معالي حسين المجالي ضاماً رأيي الى رأيه من أن "العشائرية" تظل ظاهرة صحية في المجتمعات ما دام قادتها حريصين على قيمها الانسانية لا يفرّطون بها. أما حين تفقد هذا التوجه فإنها بحق تغدو "عشائرية عمياء" ترفضها حداثة العصر لأنها تكرس "التجزئة" وتخاصم "المواطنة" وتفتعل الفتن.
يبقى ان اقول إن نمط "العقلية" من حيث استنارتها هو الذي يُبقي على قيم "العشائرية" بعيداً عن التعصب والانغلاق. هو الذي ينأى بها عن الصدامات مع غيرها. هو الذي يُثريها ويُبقي على فضائلها.