أنهت الإرادة الملكية ذيول مرحلة سياسية داخلية اتسمت بالفوضى والقلق وفقدان البوصلة لدى أغلب مؤسسات الدولة، بل والتضارب فيما بينها، ما انعكس على علاقة الدولة بالمجتمع وعلى هيبتها في نظر الرأي العام، ما أدى إلى انفجار العنف الاجتماعي.
مجلس النواب المنحل، تحديداً، كان "ابناً غير شرعي" لاستحقاقات مرحلة معينة انتهت، فأصبح المجلس بعدها عبئاً على النظام السياسي وعلى نفسه، بلا وجهة ولا ملامح واضحة، ما جعل من حلّه مطلباً يتعدى النخب الإصلاحية إلى أعضاء في المجلس نفسه!
الإرادة الملكية تفتح الباب أمام قراءات متعددة ومتضاربة تتباين في تحديد ملامح المرحلة القريبة المقبلة، تقع أغلبها بين رؤيتين؛
الرؤية الأولى أنّ هنالك إرادتين ملكيتين لا واحدة، الأولى تتعلق بحل المجلس، والثانية بإجراء انتخابات مبكرة، وهي في الحدود الدستورية والتشريعية أربعة أشهر، ما يعني أنّه لا مجال لقانون انتخاب جديد، سوى بعض التغييرات الفنية أو الطفيفة.
وفقاً لهذه الرؤية، فلن تنتهي أزمة مجلس النواب، حتى لو كانت الانتخابات المقبلة نزيهة وشفافة، طالما أن قانون الانتخاب لم يتغيّر، فنحن، إذن، أمام استنساخ للثغرات السياسية التي أتت منها أغلب المشاكل الحالية.
أمّا الرؤية الثانية، وتتبنّاها شخصيات مخضرمة، أيضاً، فتتمثل بأنّ صدور إرادة بإجراء الانتخابات المبكرة لا يمنع من صدور إرادة لاحقة، وفقاً للصلاحيات الدستورية أيضاً، بتأجيل الانتخابات إلى حين استكمال تغيير قانون الانتخاب الحالي وصوغ قانون جديد، ما يؤثر على تقسيم الدوائر وتغيير وضعها الحالي.
وفقاً للرؤية الثانية، كذلك، فإنّ حل مجلس النواب هو جزء من المراجعات، التي تحدّث عنها الملك سابقاً، وسيُسفر أيضاً عن تغيير الحكومة قريباً جداً، وكذلك إعادة تشكيل مجلس الأعيان.
على العموم، القيمة الرئيسة لحل المجلس تكمن بالإيذان بمرحلة جديدة، لن تكون مختلفة ولا مُلبِيّة لطموحات الشارع إذا لم ترتبط بمشروع الإصلاح السياسي وبقانون انتخاب جديد يتوافق مع مشروع اللامركزية، الذي يضع القضايا الخدماتية في عُهدة المحافظات، ويحرر مجلس النواب ليكون سياسياً مجلساً مؤهلاً للتعامل مع استحقاقات داخلية وإقليمية.
في السياق ثمة محاذير رئيسة، بخاصة إذا تمّ تأجيل الانتخابات عدة شهور أخرى، ومن أبرز هذه المحاذير ألا تستغل الحكومة (أي حكومة) هذه الفترة لإقرار جملة من القوانين المؤقتة الجدلية، بخاصة تلك المؤثرة والحيوية في المجال الاقتصادي.
المحذور الثاني، ألا يكون تغيير قانون الانتخاب باتجاه تمرير استحقاقات إقليمية تؤثر بصورة جذرية على تقسيم الدوائر الانتخابية، بل أن يكون ذلك في سياق التوازن بين استحقاقات الإصلاح وحماية هوية الدولة ومؤسساتها.
حل مجلس النواب يمكن أن يشكل لحظة انعطاف وعنواناً لمرحلة سياسية جديدة تعيد "ترتيب البيت الداخلي"، وفقاً للأسس الدستورية الواضحة الصريحة، وتتمثل ملامحها الرئيسة بإصلاح سياسي حقيقي يرتكز على مجلس نواب أتى وفق قانون انتخاب عصري، ولا مركزية إدارية تعزز مشروع الإصلاح، وحكومة ذات وزن سياسي ثقيل، ورد الاعتبار لكلمة الدولة والقانون، واستعادة البوصلة نحو مشروع التحديث والتطوير السياسي.
m.aburumman@alghad.jo
الغد ..