أخذت أحداث لبنان الشقيق منحنى سياسيا ربيعيا وأحياناً طائفيا، وطغى ذلك على جوهر القصة الاقتصادي المالي. الربط بين الاقتصادي والسياسي طبيعي ومشروع ومتوقع، لكن ذلك لا يجب أن يحيد بالنقاش عن جوهر المعضلة الاساسية التي تتمثل بنسبة مديونية فلكية، ونسب بطالة وفقر مرتفعة بشكل خطير، وعملة شبه منهارة بالكاد يستطيع البنك المركزي اللبناني الحفاظ على صمودها.
للبنانيين الحرية بنقاش أسباب ما وصل إليه حالهم المعيشي سواء كان فسادا أو درجات متفاوتة من المنافسة والتصارع الطائفي الذي استخدمت وكرست موارد لبنان لخدمته، الحقائق تبقى لكن وبصرف النظر عن ذاك النقاش ومآلاته، ان لبنان على شفا انهيار مالي واقتصادي شامل إذا لم يسارع لاتخاذ القرارات الضرورية التي تضع الاقتصاد والمالية العامة للدولة على الطريق الصحيح، وبدون ذلك فلبنان في خطر ولن يجد أي مساعدة من المجتمع الدولي التي يبدو بأمس الحاجة لها.
مفيد استحضار أوضاع لبنان الاقتصادية للمشهد الاقتصادي الاردني. أولا، يبدو واضحاً أن التنبه لخطورة الأوضاع المالية والسير ببرامج إصلاح اقتصادي قد بدأ بالاردن منذ سنوات طويلة، وهذا مؤشر على درجة ملموسة من الوعي المستمر والمستدام على مدى السنوات – وإن بدرجات متفاوتة – لدى كل من تبوأ دفة السياسات العامة والاقتصادية. ثانياً، وبسبب هذا التنبه لخطورة انفلات المؤشرات الاقتصادية، نجدها بقيت الى حد كبير تحت السيطرة بعيدةً عن خطوط الخطر، وإن كانت غير مريحة أو عند مستوى الطموح، فمؤشرات الفقر والبطالة نصف تلك اللبنانية تقريباً، واستقرار الدينار يستمر بقوة، واحتياطيات العملة الاجنبية تعطي درجة مرتفعة من الثقة والارتياح بالنظام المالي والنقدي الاردني. وأخيراً، فإن البرامج الاصلاحية المتعاقبة رسخت النقاش بطريقة مفيدة وبناءة وأطرته ضمن محاور خفض نسبة الدين، وإعادة التوازن للمالية العامة بين بندين النفقات والايرادات، وضرورات الشراكة مع القطاع الخاص، وتسهيل الاعمال، وهي مؤشرات شهدت تطوراً تاريخياً قبل أيام لم يحصل على حقه من الاهتمام والاحتفال.
الدروس والمقارنة مع المشهد اللبناني مهمة لنقاشاتنا، لجهة بعث الاطمئنان أننا في الاردن كنا ولا زلنا نسير بالاتجاه الصحيح استراتيجياً، حتى لو فرض علينا ذلك العبور خلال محطات اقتصادية صعبة بسبب التحول من حالة شبه الريعية الى حالة الاعتماد على الذات. لا بد والحال هذه من الاستمرار والحفاظ على هذا الثبات الاستراتيجي، وأن لا نضحي به ونعود لسياسات باتجاه الريعية، فنقترب لا قدر الله من شفير الانهيار المالي والاقتصادي كما يحصل مع لبنان الشقيق. لا يجب العودة لسياسات الدعم العشوائية، التي لا تميز بين الغني والفقير والاردني وغيره، ولا الاستمرار بتضخيم حجم القطاع العام، ولا إعطاء حوافز لقطاعات دون جدوى اقتصادية واضحة وعائد ملموس. يجب تحقيق النمو وتحفيز الاقتصاد، وبذات الوقت الحفاظ على ثبات الخط الاستراتيجي لبرامج الاصلاح المالي والاقتصادي.
الغد