الهوية الوطنية والدولة المدنية
د. فيصل غرايبة
26-10-2019 12:08 AM
يتطلب أوان دخول الدولة الأردنية المئة الثانية من حياة الدولة، بلورة رؤية واقعية لمستقبلها، تتمثل باستراتيجية للمعرفة والعلم والتكنولوجيا والأبتكار والابداع في عصر ما بعد العولمة، تكون غايتها استثمار الأنسان الأردني بطاقاته وقدراته لدخول المئوية الثانية بافق واسع، في دولة القانون والأنتاج والتكافل، التي تعنى بكرامة الأنسان وتحسن الخدمات العامة وتطور شبكة الحماية الأجتماعية، دون تجاهل للتحديات، كالتركيبة السكانية والأمن القومي والهيكل الأقتصادي والفساد والبطالة ومخرجات التعليم، وما الأوراق الملكية النقاشية،الا دعوة جلية للجميع وطرح فكري امامهم لاطلاق حوار فكري من اجل تعزيز الديمقراطية وتجذيرها.
ولما كانت المواطنة تقوم على «المساواة» في الحقوق والواجبات، وأمام القانون وبدون أي تمييز بين المواطنين، و"الحرية» كضمانة للحقوق الديمقراطية السياسية، و"الهوية"التي تحافظ على المساواة والحرية واحترام حقوق الأغلبية وحقوق الأقلية، و«العدالة» التي تنشر التنمية المستدامة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وتستند إلى الحريات والحقوق المدنية والسياسية. كما ان الشخصية الوطنية الأردنية شخصية عروبية متمسكة باهداب الدين،تحب الحرية وتعتز بالكرامة وتحافظ على الأمان وتفخر بالأنجاز ويصدر عنها الأبداع، بينما ترسي المواطنة الحقوق وتؤكد الالتزام بالواجبات التي تشكل التعبير الحقيقي عن الوطنية.
حافظت هذه القناعة على بقاء الدولة واستقرار النظام وتحقيق المصالح الوطنية وممارسة دور أقليمي لخدمة القضايا العربية، فكان الاردن بوابة للعرب وساحة لتناول القضايا العربية،واولها الوصاية الهاشمية على القدس الشريف، في الوقت الذي يكرس فيه هذا البلد الذي نشأ على فكر النهضة العربية الكبرى سيادة القانون والوحدة الوطنية والدعوة لمزيد من التضامن والتكامل بين العرب.
وبموجب هذا الحرص صدرت «رسالة عمان» في رمضان 1425/تشرين الثاني 2004 التي اعطت صورة حقيقية مشرقة للأسلام الذي صنع أمة وحضارة وبشرا على مبادئ وقيم تحقق الخير للأنسانية، اذ قام الأسلام الحنيف على التوازن والأعتدال والتيسير وأسس للعلم والتدبر والتفكير، مثلما كان ان صدر «اعلان عمان» عن الانتماء مؤتمر قمة الوفاق العربي، التي عقدت على ارض الحشد والرباط، والتي تقع وسط الطريق الرابط بين مهد النبوة ومسرى رسول الله، وقبالة اولى القبلتين وثالث الحرمين، وبين موقع اطلاق النهضة العربية الكبرى وساحتها الأولى ومستقرها الآخير.
وتشكل الدعوة الملكية الجديدة الى الأردنيين جميعا لكي يواجهوا المستجدات والمتغيرات في المستقبل القريب والبعيد بمبدأين أساسيين وركنين قويين هما «الشجاعة» و«الشفافية»، اي بدون مجاملة او نفاق وبدون مواربة او رياء، بل اعتماد الصراحة بالقول وابداء الرأي، والحزم والمثابرة في العمل، وتوخي التفاف الجميع واستيعابهم لطبيعة المرحلة وحساسية الظروف ومصيرية المنطقة، في ظل الأفق الاقليمي والدولي، وهو ما يتطلب توافر هذين العنصرين (الشجاعة والشفافية)، واحاطة المصلحة الوطنية بالحرص والولاء، وحماية المصلحة القومية بالاهتمام والانتماء. ولكل مواطن اردني دور حسب تخصصه وحقله وقطاعاته، وفقا لمعادلة العلاقة الايجابية والتجاوبية المتبادلة بين «العرش» و"الشعب»،ولا وقت للنزوات والشائعات والضغط والتحشيد ولا تغريد خارج السرب.
dfaisal77@hotmail.com
الرأي