72 ساعة أردنية .. ثورة هناك وإصلاح فوري هنا
إخلاص القاضي
24-10-2019 10:48 PM
بدون "دوشة ووجع راس"، ماذا لو قدمت حكومتنا الموقرة وخلال ٧٢ ساعة آتية حزمة إصلاحات " فعلية"، وليس تنظيرية، وبأقصى طاقة إصلاحية ابتداءً من مكافحة "عن جد" للفساد، وليس انتهاءً بالقضاء التام على المحسوبية والشللية والجهوية والمناطقية خاصة في المؤسسات الحكومية، ومحاربة التعيينات العفنة القائمة على محاصصة و"مكايدة" بين مسؤولين بقطع النظر عن أي كفاءة.
٧٢ ساعة لورشة عمل أردنية وطنية حكومية تصل الليل بالنهار، يجتمع خلالها جلالة الملك بالحكومة والنواب والاعيان واصحاب الرأي والنزاهة والقضاء، للخروج باصلاحات جذرية فورية، تحترم عقل الاردني المتأكد من أن استعادة الأموال المنهوبة يعيشه بكرامة، فلا نريد إبر تخدير ولا زيادة رواتب بمبالغ مضحكة، ولا محاربة لفاسد صغير"كبش فداء"، وضرورة إبطال مسلسل الضرائب المقيت على كل مفاصل حياتنا الاساسية، وجعل الضرائب حصراً بالبنوك والمؤسسات الربحية الكبرى واصحاب الملايين والمستثمرين وكبار رجال الاعمال، وعدم المساس مطلقاً بجيب المواطن لا من قريب ولا من بعيد، لابد من زيادة مجزية على رواتب الموظفين الحكوميين، وضبط التفلت في الرواتب الفلكية لهيئات فصلت على مقاس هذا وذاك في سياق ترضيات وهدايا وظيفية "على عينك يا تاجر".
٧٢ ساعة مجانية نستوحيها من فرصة حريرية على وقع ثورة الجوع والقهر في لبنان، دون أن تكلف الاردن اجتياحاً بشرياً للشوارع، وحرق "دواليب"، حتى نتعلم درساً من "كبس" غيرنا، ذلك اهون علينا من التعلم من" كيسنا"، لان الثمن باهض جداً، فلا نرضى لهذا الوطن إلا الأمن، ولكن على أن لا نساوَم عليه، لأننا نستحق الامن والكرامة ورغد العيش معاً، وليس الأمن فقط، من قال أن الأردن بلا ثروات، ولا مقدرات؟.
على الحكومة وفوراً وخلال ٧٢ ساعة "الفرصة"، أن تطلق خطة إصلاحية شاملة، ومقنعة، حتى لا تُرد كما فعل اللبنانيون بخطة الحريري المريضة، خطة أردنية تقوم على وقف الهدر والتقشف الفعلي في كل المؤسسات والوزارات، وتقليص عدد السفارات والقنصليات في دول لا نشاط للاردن بها، ورفع السرية المصرفية عن المسؤولين، وتقليص رواتب القيادات العليا، ومراقبة ووضع آلية منصفة لرواتب الهيئات التي "فرخت"، أو إلغائها تماماً، وضبط ومراقبة الجمارك في كل المعابر، واطلاق العنان للصناعة والزراعة الاردنية، والغاء كل المظاهر الاحتفالية بالاعياد الوطنية، وتجيير مبالغها وخاصة في السفارات الاردنية بالخارج، لمسارب أكثر حاجة ضمن الموازنة، وإلغاء الوزارات التي لا حاجة لها، ومتابعة ومراقبة وضبط سير العمل في مفوضية العقبة الاقتصادية، وتعزيز السياحة ورفع الرسوم على السواح فقط، وضبط التهرب الضريبي.
٧٢ ساعة للاصلاح الفوري، فلتكن تحت مخيلة ضغط شعبي، أو "بروفا" لثورة بيضاء دون سماع أصوات الحناجر تطالب بتغيير أي شيء، فلتكونوا انتم عوناً لانفسكم، قبل عونكم لهذا الشعب الذي تعب ومل بل وفقد الثقة بكم بالوعود الاصلاحية الكاذبة.
"الشطارة"، أن نتعلم مما يحدث حولنا، وأن ندرك أن الوطن يستحق أن نقدم له أرواحنا ليعيش ببحبوحة ورغد، وأن الاردني يستحق أن يتخلص من " النق"، فهو لا يحبه، ولكنه مضطر لذلك حين يبيع كل ما لديه ليعلم ابنه، أو يستدين لآخر يوم بحياته حين لا يملك شيئاً يبيعه، وهذا يفتح ملف التعليم والجامعات، وضرورة تعزيز الرقابة على تحولها لتجارة وجباية لأقساط الطلبة، "رحم الله ايام سوريا والعراق، حين كان الطالب الاردني يتلقى تعليمه الجامعي هناك، ببلاش إلا ريع"، ما علينا..
نحتاج ثورة بيضاء تغير فيها وجوه الوزراء، والنواب، والاعيان، فنحن بحاجة إلى حكومة تكنوقراط تستند إلى الكفاءة وليس لاسترضاء مناطقي وعشائري، ولمجلس منتخب، تغييره يتوقف على الناخب الذي من المفترض أن لا يعيد إنتاج ذات الوجوه، ومجلس أعيان يضم المفكرين وقادة الاحزاب الوطنية ومثقفين واكاديميين ومخترعين، وأيضا من وجوه جديدة، لنضح الدماء الحيوية لقطار الاصلاح المتعطل منذ زمن، حيث لا وقود ليمضي، ولا سكة صالحة أصلاً.
نحن بحاجة خلال ٧٢ ساعة لاصلاح الاعلام الرسمي الذي اصبح خطابه جثة هامدة، فجلالة الملك يقول "حرية سقفها السماء"، ويعود من يسيطر على الاعلام الرسمي ليكون ملكياً أكثر من الملك، ويخفي حقائق، ويعميها، ويسحج، ويطبل ويهلل للمسؤولين الذين مللنا وجوههم، والذين لا يقدمون للوطن أي إنجازات تذكر، على الاعلام الرسمي أن ينهض من سباته، وأن يوازي ثورة الشفافية في "السوشيال ميديا"، بمسؤولية وطنية وحقائق دامغة، وأن يكون شريكاً في المحاسبة والمراقبة والمساءلة، وإلا سيبقى أضحوكة تستنزف قدرات بشرية تغرد خارج سرب قضايا الناس وهموم الوطن.
٧٢ ساعة اردنية فاصلة تحاسب المسؤولين المتقاعسين عن أداء واجباتهم، في الصحة والتعليم والاقتصاد والسياحة والصناعة والزراعة والاعلام والشؤون الاجتماعية والبيئة، وكل القطاعات، وبالمناسبة، ما حاجة الاردن مثلاً للهيئة المستقلة للانتخاب إلا التنفيع والترضية لمن فيها حيث الرواتب الفلكية، لماذا لا تلحق كادارة عادية من إدارات وزارة الداخلية، فالانتخابات موسمية وتأتي كل ٤ سنوات مرة، والسؤال الذي يراودني، ماذا تفعل الهيئة طيلة تلك السنوات عدا عن انشغالها بالانتخابات بموسمها، يكفي، يكفي هدراً، يكفي، اختراقاً لجيب المواطن، هنالك خلل واضح في تركيبة كل شيء في الاردن.
عليكم يا أهل السلطة علاج ذلك الخلل قبل فوات الآوان، فساحاتنا لا تتسع لخروج ٢ مليون ونصف المليون متظاهر، ففي الاردن تعقيد وخصوصية أكثر من لبنان، ولعن الله الفتنة التي سيوقدها التقاعس الحكومي، وليس المواطن، سيوقدها تجاهل الحكومة لرؤى الملك، وكأنه يتحدث لوحده، يذهب اليه المعنيون من المسؤولين ليستعمون لجلالته يهزون بروؤسهم" حاضر سيدي"، بمفردةٍ، لم تعد مقنعة ما لم تشفع بكشف للحقائق أمام جلالته، وبحديث صريح لا يجمل ولا يكذب ولا يخفي عن جلالته أن الشارع يغلي، وأن الناس ملت وجاعت وتعبت وقُهرت، ولم تعد تصدق أحد.
٧٢ ساعة، اقعدوا فيها" على رواق"، وانصروا الوطن وسجلوا بطولة للتاريخ، تنقذ الاردن ومواطنيه الذين سكتوا حباً به وبمؤسسة العرش، ولن يسكتوا بعد اليوم على حكومات المزارع والمحاصصة والتكسب والجاه و"البرستيج" وتوزيع المكتسبات والتعيينات على الاصحاب والمحاسيب والاقارب و"الحبايب".
٧٢ ساعة اردنية وطنية ستغير مجرى التاريخ، ولا تنسوا التطرق للبترول الاردني المخفي، والذي وسبحان الله"موجود بالسعودية ودول الجوار ووصل عنا ونقز وبطل يطلع"، عدا عن الصخر الزيتي الذي لم يستثمر كما يجب، و"مسامحينكم" بالطاقة النووية التي لم تكن إلا كذباً وتنفيعاً لبلد يرزح معظم اهله تحت خط الفقر، ودائما اكررها يا سيد البلاد، علينا أن نتذكر أن الارهاب الحقيقي ليس فقط بالفكر، الارهاب الحقيقي، هو الفقر.
٧٢ ساعة حاسمة بانتظار الحكومة، فاضرب يا سيد البلاد بيد من حديد ولا تدعهم يخدعونا مجدداً، فالوطن أغلى من إرضائهم.