ربيع لبنان
اللواء المتقاعد مروان العمد
24-10-2019 01:28 PM
لم يكد دخان حرائق غابات لبنان ان ينقشع والذي حول ثلاثة ملايين شجرة الى فحم ورماد ، وقبل ان يظهر فيما اذا كانت هذه النيران قد اشتعلت بفعل فاعل ام نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ، اندلع ربيع لبنان والذي جاء يختلف عن اي ربيع آخر ، فهذا لبنان الذي لُقب بسويسرا العرب والذي طالما اختلف عن غيره . اول ما يميز ربيع لبنان انه اختصر المسافات منذ البداية وصرخ الشعب من لحظته الاولى يسقط النظام . واول ما يميزه انه بدا وكأنه خرج كمارد انطلق من مصباح علاء الدين واشعل جميع ميادين لبنان في لحظة واحدة وانه انطلق من حناجر الاغلبية الصامتة في بلد كانت كل الحناجر تتحدث بصوت انتماءاتها المذهبية والطائفية والحزبية . في بلد كبلتها المحاصصة منذ بداية تكوينها ووزعت المناصب على المذاهب والطوائف وكرّس هذا الامر اتفاق الطائف . وعبر عن هذه المذاهب والطوائف احزاب عائلية يتوارثها الابناء عن الآباء ، احزاب استعملت ألسلاح كوسيلة لحل المنازعات وهي ترفع شعارات الديمقراطية . ولذلك فقد شهد لبنان الكثير من الإقتتال الداخلي بين مكوناته وزاد عليها التواجد الفلسطيني المسلح على اراضيه ودخوله كطرف في هذا الاقتتال . وعمليات الاجتياح الصهيونية لأراضيه والتي وصلت الى قلب بيروت .
الا انه ورغم ذلك فقد كان هناك وجه آخر للبنان وجه ديمقراطي وان كان بقناع طائفي .فقد عرف الانتخابات التشريعية والوزرارات البرلمانية وشهد مقداراً كبيراً من حرية الرأي والاعلام . كما شهد الكثير من مظاهر الحريات الشخصية ومستوى عالٍ من الثقافة والفن والادب . كما شهد الانغلاق الفكري والديني والمذهبي وجمع كل التناقضات الموجودة في الدنيا .
وكان لبنان وبالرغم من النكبات التي مرت عليه دائماً ما ينهض من عثراته وما ان يتم وضع السلاح جانباً حتى تعود الحياة اليه بسرعة مذهلة وتجد اسواقه ومطاعمه وشواطئه ومتنزهاته ومصايفه وقد امتلأت بمرتاديها وكأن شيئاً لم يكن .
وهكذا كان لبنان يكبوا ثم ينهض من جديد ويتابع المسير . الى ان اصبح الفساد عنوان المرحلة الحالية واضيف عامل آخر على عوامل الصراع بين مكوناته الطائفية والمذهبية والحزبية وهو صراع على السيطرة على مقدرات الدولة ودوائرها ومؤسساتها بحيث تم تقاسمها ما بين مختلف القوى والتيارات واصبحت اموالها نهباً للجهة المسيطرة عليها واصبح التعيين فيها حكراً على انصارها فقط فيما حرم من ذلك عامة الشعب . ونتيجة للمناكفات بين هذه القوى فقد تعطلت جميع المشاريع والخطط الاقتصادية حيث ان كل طرف كان يحاول الحصول على اكبر المكاسب له للموافقة على اي مشروع يطرح مما ادى الى تعطيلها كلها الى درجة انتشار القاذورات والمهملات في شوارع لبنان دون ان تجد من يزيلها . والى درجة حرمان الشعب من الكهرباء وتعطيل كل المشاريع لحل ازمتها . وساعد على تجميد قرارات الحكومة فرض الثلث المعطل على الحكومة من قبل حزب الله ومعه تعطلت كل قرارات الحكومة وتحكم هذا الحزب بقراراتها حتى بإقرار الموازنة او تنفيذ المشاريع الاقتصادية والإنمائية حيث اشترط للموافقة عليها ان تسعى الحكومة لرفع العقوبات الامريكية على حزب الله وبعض قياداته للموافقة عليها .
بالاضافة الى ما يمارسه حزب الممانعة هذا وزعيمه حسن نصرالله الذي حقق نصره ونصر الولي الفقيه على الشعب اللبناني وفرض عليهم سلطته بسلاح الممانعة الذي يملكه بعد ان وجهه نحو الداخل وصادر قرارات الحكومة وسيطر على الكثير من مفاصل الحركة السياسية والاقتصادية في لبنان بتحالفه مع حركة امل وزعيمها نبية بري والذي يرأس الهيئة التشريعية في لبنان منذ زمن بعيد بينما تقوم مليشياته بترويع الشارع لحماية مصالحه ومصالح حركته وطائفته . وبالتعاون مع التيار الوطني الحر والذي كان يرأسه ميشيل عون والذي عاش عمره وهو يعمل على ان يصبح رئيساً للجمهورية اللبنانية حتى لو تحالف مع الشيطان في سبيل تحقيق ذلك وكان له ما اراد والذي عطل تشكيل حكومة في لبنان حتى يصبح له الثلث المعطل وليصبح زوج ابنته وخليفته في رآسة التيار الوطني الحر وزيرا لخارجية في الحكومة اللبنانية .
ولكل ذلك انطلق ربيع لبنان بالطريقة التي انطلق بها ولكن هل سوف ينبت هذا الربيع في لبنان الورد ام العوسج .
وفي البداية فأنه يجب الإقرار انه ورغم الطابع المميز لحركة الجماهير اللبنانية والتي تميزت بالروح الاحتفالية والغناء والرقص ورفع الاعلام اللبنانية فقط والمطالبة برحيل الجميع ، الا ان ما تخللها من اعمال عنف وحرق وتخريب في ايامها الاولى وما تخللها من مشاهد والفاظ لم تكن مناسبة للحدث كانت نقاط سلبية ما كان يجب ان تحدث .
والاهم من ذلك فأن هناك مخاوف من نتائج ما جرى ومما سيجري في ميادين لبنان . واول هذه المخاوف هي محاولات سرقة حركة الشارع ممن كانوا يشاركون في سرقة من يتحركون في الشارع وممن تحرك الشارع احتجاجاً عليهم وطالب برحيلهم ( كلن كلن ). والذين حاولوا ان يطرحوا انفسهم مناصرين لحركة الشارع ومدافعين عنه . ويقع على رأسهم قائد القوات اللبنانية سمير جعجع بطل الحرب الاهلية في لبنان والذي ارتكب وشارك في الكثير من المذابح في هذه الحرب ، و زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ابن كمال جنبلاط مؤسس هذا الحزب وامهر من لعب على جميع الحبال في لبنان . ولحق بهما النائب سامي الجميل حفيد مؤسس حزب الكتائب الفاشي بيير جميل وابن رئيسه لاحقاً امين جميل ورئيس هذا الحزب حالياً وليتبعهم فيما بعد سليمان فرنجية حفيد سليمان فرنجية الجد وابن طوني فرنجة ومؤسس تيار المردة والذي يرأسه حالياً سليمان الحفيد . واللذين كان لهم دوراً كبيراً بكل مصائب الشعب اللبناني ، وذلك في محاولة منهم لإعادة صنع انفسهم وإحياء دورهم من جديد . فيما وقف سعد الحريري ابن رفيق الحريري ورئيس تيار المستقبل ورئيس الحكومة اللبنانية في منطقة المنتصف يبحث لنفسه عن دوراً في المستقبل .
وقد تحرك انصار هذه الاحزاب في ميادين الإعتصامات مساندين لحركة الشارع وملقين اللوم بمأساة لبنان على حزب اللة وحركة امل والتيار الوطني الحر وانصارهم الذين وقفوا في مواجهة حركة الشارع وحاولوا قمع المعتصمين وتفريقهم بألقوة .
ومن التخوفات ان تستغل الاحزاب والقوى المعادية لحزب الله والمتحالفين معها مطالب الجماهير وحركتهم لإفتعال صراع مسلح مع حزب الله خدمة لاهداف خارجية تقتضي بتصفيته ، او ان ينفذ حزب الله تهديداته التي خرجت على لسان زعيمه حسن نصرالله عندما حذر ان حزبه سوف ينزل الى الشارع وانه اذا نزل الى الشارع لن يخرج منه الا بعد تغيير كل المعادلات وتحقيق كل الاهداف التي نزلوا لأجلها وذلك ايضاً لخدمة اهداف خارجية تقتضي استكمال سيطرته على لبنان . وهو الذي قال انا من يسقط العهد وانا وحدي من يبقي على العهد ( ويقصد بالعهد التحالف الذي نتج عنه تشكيل الحكومة الحالية كبديل لمجموعة الرابع عشر من اذار والثامن من آذار ) وهو الذي طالما ما اعلن ولائه لولائه الفقيه وقال انا افتخر بذلك وانا جندي في ولاية الفقيه .
وهذا الصراع ان حصل مع حجم ما لدى حزب الله من سلاح فأنه سيكون من المؤكد ان الخاسر الاكبر هو لبنان وهذه الجماهير التي خرجت الى الشارع ترفض الجميع وتطالب بالتغيير . فهل ستعود سحب الدخان الأسود لتنتشر في سماء لبنان كما انتشرت في بداية الأحداث في قضية سجلت ضد مجهول ؟
ولكن هل فعلاً ان هذا التغير الذي تطالب به الجماهير في الشارع امرا ممكناً في بلد عاش على المحاصصة منذ استقلاله عن فرنسا عام ١٩٤٣ ؟ وهل سيقبل الشعب اللبناني بمن فيهم من في الشارع الآن بنظام حكم لا يراعي المحاصصة الطائفية والمذهبية والحزبية ؟ هل من الممكن ان نجد الرأسات الثلاثة في لبنان اذا جرت انتخابات جديدة غداً من طائفة واحدة مثلاً ؟ هذا ما ستكشف عنه الأحداث مستقبلاً.