أبلغ الوهن .. في ظاهر الحكومة وباطنها
د.مهند مبيضين
23-11-2009 01:20 PM
الحكومة احيانا تريد احداث "لملمة للنفقات" تجنبا لعجز الموازنة الفظيع، الذي يغلفه فشل كبير، قادنا إلى أبلغ حالات التردي، خطابات تهل على الناس، والغريب أنه متفائل، ومع أن التفاؤول والشؤم شأن شخصي إلا ما هو فير شخصي مستقبل البلد ومصير الناس والخلق.
أوامر الرئيس العليا كان من بينها وقف المجلات في مؤسسات الدولة، وكأن أسباب العجز تبدأ وتنتهي في الثقافة، وأمر الرئيس مع أنه تأخر كثير، إلا أنه غير مقنع؛ لأن الناس يرون التبجح في الانفاق العام والرواتب العليا في وظائف الهيئات المستحدثة بخاصة هيئة المناطق التنموية وبالتالي فإن العلة تظل ماثلة ما دام الناس لا يرون شيئا مما تسمعهم اياه الحكومة، وما دام الفشل في إدارة ملفات الاقتصاد من المصفاة إلى البورصات إلى العودة للاقتراض من البنك الدولي وهروب مئات المستثمرين لمصر والتنفيعات عن ذات اليمن والشمال. كل ذلك ليس له إلا معنى واحدا وهو الطريق إلى الكارثة.
لست عارفا بـ"شوير" الحكومة الذي افتى بأن انقاذ العجز المالي سيكون بوقف المجلات التي لا زيد كلفتها سنويا عن سيارتي مرسيدس او رواتي ثلاث سكرتيرات في هيئة المناطق التنموية، ومع ذلك لا أرى ان الخطوة كانت صائبة او تؤدي إلى الغاية المثلى وهي ضبط النفقات وتخفيف العجز المالي. منا هنا يبدو من حق المثقفين المشتغلين في تلك المجلات او القراء ان يغضبوا او يعارضو ذلك التوجه، وتاريخيا لعنة الثقافة ابلغ من أي سلاح ومن يقارب المس بالثقافة توهنه.
لكن امر الرئيس حيال المجلات دال على أي مبلغ بلغته الحكومة من العجز والضعف، والرئيس هو القائل في مؤتمر الاستثمار العربي في بيروت قبل نحو ستة أشهر: "دعوني أتحدث إليكم عن الأردن وعن تجربة الأردن وما قام بعمله وما يقوم بعمله الآن، فمعظم إن لم يكن جميع من قيموا آثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الأردني اجمعوا على أن تأثير الأزمة المالية الاقتصادية على الاقتصاد الأردني يمكن التعامل معه وأن الانخفاض في أسعار السلع الرئيسية سيخفف من عجز الموازنة وكذلك سيخفف التضخم..."لا حاجة بعد هذا القول للكشف عن صدق تلك الأقوال وعن اهمية ان يخاطب مستثمرون عرب بتلك اللغة، فالواقع اليوم لا يبنئ إلا بعكس ذلك والتفاؤل الذي رسمه الرئيس وآمن به يجده اليوم شاخصا امامه ومن خيراته قرار منع صدور المجلات في مؤسسات الدولة.
الحقيقة الماثلة راهنا أن إحداث تحول او تغيير في السياسات التي فشلت بها الحكومة ماليا وفي ملف الامن المجتمعي بات غير ممكنا ويقارب المستحيل، فالازمة ليست في الناس ولا في المصانع والموارد ولا في الدرك او الأمن بل الأزمة في العقليات التي تدير الملفات وفي الوزارات والفريق الاقتصادي المتصدع، وهي عقليات من انفكت ترى كل نقد على اساس انه مؤامرة واستهداف.
النائب ثروة العمر عن قضاء الموجب، رفض رئيس الحكومة استقبالها بعدما اوضحت لنا بمعلومات عن واقع الخدمات وحال المياه هناك وكتبنا عنها في الصيف الماضي بالغد، ووزير التربية كذلك الحال رفض استقبالها، وفسرت معلوماتها التي قدمتها لنا على انها جزء من حملة ضد الحكومة، اليوم تقول النائب العمر :"انها لاتجد من يوصل كلامها للحكومة بأن مدرسة دمنة الاساسية في منتهى السوء وان تجمع قرى العمر -اريحا ومسعر وابو ترابه ودمنه- يشكو من انهيار الخدمات الصحية، وأن ما وعد به رئيس الحكومة بعدما زار منطقة قضاء الموجب لم يتحقق".
سؤال الأردنيين اليوم لم يعد عن آمالهم بالحكومة وتوقعاتهم بما يجب ان تنجزه، او مستوى الثقة بها، بقدر ما هو عن مدى قدرتها على البقاء بعدما صور كل نقد لها على انه استهداف وانه لاضعافها من قبل خصومة مُدعاة عاشت عليها الحكومة وارادتها ان تظل لتكسبها حتمية البقاء.
اخيرا في حالة قياس الحكومة بانجازات غيرها، فإنها تقاربنا إلى الزمن العرفي، إذ نشطت ونشط كثيرون معها في الذب عنها وفي اتهام كثيرين بانهم موكولون للإطاحة بها وان هناك جهات خارجية مدسوسة تظمر الشر، وهذا ابلغ الضعف والوهن. والأهم أن الحكومة فقدت الاتصال بالناس وناطقها الإعلامي يتبدى فكرا ويشع علما واخباره تشغل نشرات الاخبار الرئيسية والمحلية حتى ولو كان رعى مهرجانا لاضخم سدر منسف. واخيرا ليس أبلغ من عجز الحكومة انك تسأل وزيرا عن الاحوال العامة فيقول لك: الحكومة على..؟ وهو ما لا يصح ولا يجوز ان يخرج عن وزير في حكومة اردنية.
Mohannad974@yahoo.com