شمال سورية يخلط أوراق الإقليم
د.محمد المومني
23-10-2019 11:23 PM
تتجاوز التفاعلات في شمال سورية لأبعد من مجرد ما تعلنه تركيا وروسيا والولايات المتحدة. لقد أدخلت الأحداث بالشمال السوري كافة دول المنطقة بحالة من عدم الوضوح واليقين، وخلطت الاوراق، مانحة إيران وروسيا فرصاً لملء الفراغ الاستراتيجي الذي تشكل عقب الانسحاب الاميركي الآحادي المتسرع غير المدروس او المنسق.
الرئيس ترامب تجاهل خطورة الفراغ الاستراتيجي الذي سببه انسحابه، ولم يأخذ بعين الاعتبار مصالح الحلفاء، ولا الاستقرار الاقليمي، ولم يقم اعتبارا لمصالح بلاده المعلنة المتمثلة بالقضاء على الارهاب وعدم السماح بإعادة تشكله، وإيقاف نفوذ إيران في سورية، والابقاء على مؤسسات الدولة السورية ومنع انهيارها أو تحولها لدولة منهارة وفاشلة غير قادرة على إبقاء مشاكلها داخل حدودها.
الانسحاب الاميركي هدد الاستقرار الاقليمي ومصالح أميركا؛ القوات الكردية المحاربة للإرهاب تلقت طعنة ولن تكون بنفس الاقدامية او القدرة على محاربة داعش في الشمال السوري، وإيران تتمدد في فراغ استراتيجي، وسورية منعت من السيطرة على حدودها الشمالية بسبب المنطقة العازلة وأملها الوحيد ببسط سيطرتها فقط من خلال الحليف الروسي المنتصر الاكبر من كل ما يحدث.
تركيا تقامر استراتيجياً بشكل عميق، وتحالفها المستمر بالتمدد مع روسيا وإيران يهدد علاقاتها التاريخية مع الغرب وحلف الناتو، وأهدافها المعلنة بالقضاء على الارهاب وإعادة اللاجئين كان يمكن تحقيقها لولا موقفها الحاد جداً من النظام السوري الذي يمتلك الاحقية القانونية والعسكرية لضبط حدوده الشمالية.
لم تكن تركيا بقراراتها بشأن الشمال السوري براغماتية، انحازت لمنطق حساباتها الداخلية وشعبية الهجوم على الاكراد بين أوساط المجتمع التركي، ضاربة مصالحها الاستراتيجية مع حليفها التاريخي الغرب وتأمين حدودها الشمالية من خلال سورية عرض الحائط.
روسيا وإيران المستفيد الاعظم مما يحدث، روسيا عززت مكانتها كدولة آمرة ناهية ذات مصداقية بالمقارنة مع الولايات المتحدة التي تتخذ قرارات أحادية غير منسقة مضرة بمصداقيتها ومربكة للحلفاء، وإيران في وضع استراتيجي يسمح بمزيد من التمدد وبسط النفوذ، وهذا لن يكون بالضرورة من خلال إرسال القوات والمعدات المرصودة والمتابعة والقابلة للقصف.
النفوذ الايراني المتمدد يأخذ أشكالا متعددة وهو غير مرئي اجتماعي ديني سياسي، ولن يمضي وقت طويل حتى نرى النسخة السورية من حزب الله أو الحوثيين أو الحشد الشعبي.
ربما هذا أحد أهم إيجابيات التواجد الروسي بسورية، في أنه على الاقل لا يتماهى مع الاهداف والطموحات الايرانية، ولا يوافق عليها، وقد تكون روسيا الوحيدة القادرة على موازنة وإيقاف النفوذ الايراني في سورية في ضوء عجز النظام السوري سياسياً وأمنياً على فعل ذلك.
لقد سلمت الولايات المتحدة سورية على طبق من ذهب وبشكل كامل لروسيا وإيران. القوى الاقليمية المختلفة مضطرة الآن للتعامل مع هذا الواقع الاستراتيجي الجديد، وضرورة التنسيق مع روسيا لوقف تمدد النفوذ الايراني ومساعدة مؤسسات الدولة السورية على وقف الارهاب.
الغد