في الطريق الى عملي في وكالة الانباء الاردنية اليوم الاربعاء، تلقيت مكالمة تدعوني لحضور مؤتمر صحفي تعلن فيه منظمة العفو الدولية عن تقريرها الذي عنونت منه "س ان ان ": منظمة العفو الدولية تحث الأردن على وضع حد لاحتجاز النساء بشكل "تعسفي".
وصلت الوكالة فهاتفت الزميلة مديرة الاخبار بالوكالة عن اهمية التغطية. اخبرتني الزميلة، بان الوكالة لم تتلق دعوة للمؤتمر الصحفي. طبعا افهم وسواي كثيرون ان سبب الاحجام عن دعوة الوكالة اصلا يعود للسقف المنخفض للتغطية إن أُجيز نشر الخبر مهما كانت سويته المهنية ضحلة.
ما علينا؛ بادرت بصفتي مديرا لمديرية الصحافة المتخصصة الى تكليف زميلة مجتهدة لحضور المؤتمر الصحفي الذي تحضره كل المنابر الاعلامية. اعدت الزميلة خبرا مقتضبا وهو يتضمن غيضا من فيض مما في التقرير او ما ذكر في المؤتمر الصحفي.
قمت بدوري، بتحويل الخبر الى التحرير عله يجد طريقه الى الفضاء. بعد نصف ساعة او يزيد تهاتفني الزميلة المدير العام بالوكالة فتخبرني، بأن هذا يتجاوز ما تنشره وكالة الانباء الرسمية(بترا). قلت للزميلة ان جميع المنابر تغطي المناسبة، ولا يليق ان تغيب الوكالة عنها. فثقة مصادر الاخبار ومن بعدها الجمهور تكمن في السقف ونوعية التغطية.
وللقارئ ان يتخيل مستوى عقل النعامة التي تدفن رأسها في الرمل خشية خطر داهم: مؤتمر صحفي لاعلان تقرير دولي منحت الحكومة تصاريح لمسؤولي العفو الدولية ليطلعوا على حقيقة احتجاز النساء في الاردن . في آن تحجم الوكالة الرسمية رعبا عن نشر خبر مقتضب يقول للقارئ انها موجودة اصلا، حتى وإن لم تتلق دعوة للحضور.
باختصار شديد، هذا مثال عن سقف الاعلام الرسمي في عهد زميلتي السابقة وزير الاعلام جمانة غنيمات. تحضرني هنا،
في سنوية كارثة سيول البحر الميت، قصة يندى لها الجبين : أُكلف زميلا بصفتي مديرا لمديرية الصحافة المتخصصة، باعداد تقرير عن ذيول الكارثة والجدل التراجيدي الذي اشعله تسليم جثة بالخطأ لاسرة ليست اسرتها الحقيقية. تابعت اعداد التقرير لحظة بلحظة . فهو كان مادة مهنية بامتياز لجهة المصادر على تنوعها والخلفيات واللغة الصحفية المناسبة. يكشف التقرير في سياقه نقلا عن مصدر مطلع في الطب الشرعي اقراره بان هناك خطأ حدث في التسليم، بينما تكابر الحكومة بلسان الوزيرة غنيمات بالرفض القاطع. حررت التقرير وارسلته للمدير العام السابق الذي ابلغني بدوره انه حوله الى الوزيرة غنيمات. بعد مضي نحو ساعة او يزيد، هاتفت المدير سائلا إياه عن مصير التقرير ، فكانت الاجابة: جمانة تقول ان هذا التقرير ضد الدولة .
راح التقرير في علم غيب رئيسة تحرير الغد سابقا التي كانت ترفع لواء الحرية الصحفية! فأن تكون صحفيا يعني كما افهم، ان تبقى منسجما مع ذاتك في مواجهة اغواء منصب وزير يضطرك للانزلاق الى الدفاع عن اخفاء الحقيقة. اذ وخلال اقل من ساعتين من رفض الوزيرة للتقرير بادر رئيس الطب الشرعي الى الاعتراف في مؤتمر صحفي بالخطأ الذي وقع.
هذا غيض من فيض مما يعانيه زملاء كثر في الاعلام الرسمي الذي يطمس الحقائق ويحيل الانسان بوقا لترديد الخواء.
الاعلام الرسمي مرعوب : توصيف لا يروق للحكومة اي حكومة، فهو اعلامها وسذاجته وسطحيته تعبر عنها. فالحكومات المتعاقبة أسست لحالة من الرعب والزجر لدى اعلامييها الذين لا يعدون كونهم موظفي علاقات عامة، وانا واحد منهم.
اليوم "بترا" تنتظر مديرا عاما جديدا تنطبق عليه هذه المواصفات: مستجيب بصرامة للوزير، اي وزير، او لاي موظف في مكتبه، ومسحجا باحتراف لاي نهج حكومي. فكيف يا اردني يا رعاك الله تنتظر اعلاما يقول بعضا من الحقيقة؟! كيف تنتظر اعلاما يحلو للوزراء ان يصفوه باعلام دولة. بالمناسبة صحيح فهو اعلام دولة مختطف لجهة اسمها الحكومة، اوقد لا تكون الحكومة، لكنها الحكومة على الحقيقة .