"بعد أن كثر الكلام عن هيبة الدولة أما آن الأوان للدولة أن تنهض و تدافع عن هيبتها"
وحتى يكون كلامنا واضحاً لا مبهماً, ولا يقبل أي تحويل أو تأويل, او تحريف أو تشويه فإنني أقتبس جملة شهيرة من كلامٍ لمارتن لوثر كنج والتي تؤسس لأي عمل إصلاحي هدفه وغايته دائماً رفعة الوطن وصلاح حال أهله :" إنني انتقد أمريكا لأني أحب أمريكا."
وعليه فإننا نأمل أن يتسع صدر الدولة لسماعنا, فآلة الرئاسة كما قال عنها أمير المؤمنين علي بن أي طالب "هي سعة الصدر."
وهنا فمسؤوليتنا جميعاً تحتم علينا اليوم أن نقف جميعاً موقفاً مسؤولا تجاه تعزيز هيبة الدول ، ولا شك أن حماية هيبة الدولة يبدأ بحمايتها للتعددية الفكرية لأبنائها ولندرك أن اختلاف آراء أصحابها هو أساس التكوين الصحي والطبيعي لماهية المجتمع ولا أبلغ من تجسيد هذه الصورة من قول الرسول الأكرم:" اختلاف أمتي رحمة."
وبالتالي تكمن القدرة الحقيقية لإدارة الدولة بالقدرة على ادراة الاختلافات الفكرية والتي بدورها تشكل الحراك السياسي والذي بدوره يؤدي إلى نتائج ايجابية كمخرجات طبيعية للحراك الايجابي ، وعلى الصعيد الآخر يشكل فشل القدرة على إدارة الاختلافات إلى تحول سلبي يغلق باب الحوار ويحول المؤسسات إلى أشخاص ويستسلم المجتمع للركود السياسي وبالتالي تتمثل نتائج هذا الوضع بسلبية واضحة وبالجمود والعزلة, وتتحول الأفكار الإصلاحية بنظر الجهات المسؤولة وكأنها انتقادات موجهة وهدامة ولا يجد الخطاب الرسمي عندها إلا اللجوء إلى الذريعة الخالدة والمتعلقة بنظرية المؤامرة, وتكال الاتهامات جزافاً لجهات وفئات كانت خلف هذه المؤامرات وهو خطاب لا يقنع بمضمونه اليوم حتى الأطفال ، وهكذا يصبح التعبير عن الرأي أو المطالبة بالحقوق مدفوعاً من جهات خارجية ورفع الظلم عن المظلومين و قول كلمة حق جزء من مؤامرة.
نحن مدعون اليوم لمراجعة شاملة تأخذ من الحرية أساساً ومن النقد البناء عماداً, فالعمل الوطني بأمس ما يكون لهذا النقد كما أكد عليه المفكر العربي خالد محمد خالد :" إن ممارسة النقد والنقد الذاتي تمنح العمل الوطني دائماً فرصة تصحيح أوضاعه وملائمتها مع الأهداف الكبيرة في العمل."
فحرية النقد و حرية المعارضة وحرية الإرادة من أساسيات العمل السياسي والاجتماعي و من المحزن اليوم رفض كثير من مفاهيم الحرية بحجة عدم وجود الوعي الملائم للتعامل مع الحريات فالوعي يبدأ بالممارسة و ذلك ما يؤكده قول المفكر المغربي الدكتور عبدالله العروي: " الحرية لكي تتحقق يجب أن تُعقل و لكي تُعقل يجب أن تطلق."
إذا لا بد اليوم من الخروج وبأسرع ما يمكن من حالة الركود والجمود السياسي التي تشهدها الساحة الوطنية ، فعلى صعيد السياسة الخارجية نحن أحوج ما يكون اليوم لبدائل وشخوص بحجم المرحلة والتي تظهرها الديناميكية السياسية والدبلوماسية للدول المحيطة والتي باتت جزءاً من المشهد السياسي اليومي التي تشهده المنطقة والتي تتمثل بمحاولات كل دولة لإيجاد البدائل السياسية والتي تتناسب مع المرحلة القادمة ، ويكفي التمعن في مشاهد الحراك التركي أو السوري أو حتى القطري لندرك مدى أهمية التحرك الديناميكي لخلق أدوار الجديدة والتي تهدف لضمان دور أساسي في المرحلة القادمة بحيث لا تكون أي من هذه الدول الحلقة الأضعف في اللعبة السياسية الحالية من جهة, أو تكون عرضة لأي عملية إسقاط للدور أو فرض حلول إجبارية بمنطق القوة من جهة أخرى.
ولعل من أولويات أجندتنا السياسية اليوم هي إيجاد التدابير لمواجهة موجات العنف
الاجتماعي المتزايدة و الأوضاع الاقتصادية المتردية وذلك بتفعيل شبكة الأمان الاجتماعي من ناحية و حماية المواطن من الاستغلال الاقتصادي من ناحية أخرى, و الذي كان قد حذر منه في الماضي مفكرنا الكبير منيف الرزاز :" إن تحرير المواطن من الطغيان السياسي و تركه فريسة للاستغلال الاقتصادي يجعله عبداً اقتصادياً و سياسياً معاً, لأن الاستعباد الاقتصادي يسلبه ما أعطاه إياه القانون من حريات سياسية."
و في نهاية المقال, لا بد من التذكير بأن التصرفات المسؤولة و التي تأخذ بعين الاعتبار قيمة الإنسان ورفعته والحفاظ على حقوقه هي التي تحافظ على هيبة الدولة, و لا بد من تذكر قول واضع علم السياسة ميكيافيلي:" إن الناس تنسى من أطعمها و لكنها لا تنسى من أساء إليها."
amersabaileh@yahoo.com