سلسلة تاريخ الحكومات الأردنية على امتداد نصف قرن (1)
د.هايل الدهيسات
23-11-2009 12:07 AM
لم يكن يوم الثاني من أيار لعام 1953م، يوماً عادياً بالنسبة للشعب الأردني، فقد كان يوماً استثنائياً شهد اسمراراً لمسيرة الهاشميين، كيف لا وقد كان على موعدٍ مع مليكه الشاب الذي أتم الثامنة عشرة من عمره، والذي ارتقى سدة العرش لتأدية القسم الدستوري لتبدأ بذلك المرحلة الذهبية من تاريخ الأردن المعاصر، حيث نذر الملك الحسين حياته لخدمة بلده ووطنه مخاطباً الشعب الأردني: " إن العرش الذي انتهى إلينا ليستمد قوته (بعد الله) من محبة الشعب وثقته، وأنني سأنمي هذه المحبة، وهذه الثقة، بخدمة الأمة ورعاية مصالحها فأخذت على نفسي مجانبة الراحة من أجلكم والعمل والتضحية في سبيل إعزاز وطننا الذي له نحيا وفي سبيله نموت".
شهد عهد جلالته - خلال النصف الثاني من القرن المنصرم - إنجازات غير مسبوقة في مختلف ميادين الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ولعل أحد أسباب هذه التغيرات الكبيرة تكمن في انتشار التعليم في مختلف مناطق المملكة.
وقد تعزز ذلك بصدور مجموعة من القوانين التي تحض على إلزامية التعليم، إذ صدر قانون في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين ينص على إلزامية التعليم للصفوف الستة الأولى، وتلاه قانون آخر في الستينيات من القرن نفسه ينص على إلزامية التعليم حتى نهاية الصف التاسع. وهكذا كان لانعكاسات إنتشار التعليم المبكر وإلزاميته على المجتمع الأردني في غاية الإيجابية خاصة على المستويين الإقتصادي و الثقافي.
سياسياً.. شهدت أرض المملكة الأردنية الهاشمية -في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي- نشاطاً كبيراً للتيارات السياسية السرية كحركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الشيوعي الأردني، إضافة إلى التيارات السياسية العلنية كجماعة الإخوان المسلمين التي كانت قد تأسست عام 1946 والحزب الوطني الاشتراكي وحزب الأمة والحزب العربي الدستوري. وقد واجه الملك الراحل ذلك بتبنيه سياسة الوسطية التي أكسبته رؤية واضحة للقضايا الداخلية والخارجية والتعامل معها بواقعية، الأمر الذي رسا بالأردن إلى بر الأمان وأكسب مليكه احترام القاصي والداني.
وكانت قد تشكلت في عهد جلالة الملك الحسين ابن طلال رحمه الله (1953ـ1999) أي على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين ستة وخمسين وزارة تراوحت أعمارها ما بين العامين وبضعة أشهر باستثناء الحكومة الأولى لدولة الشهيد هزاع المجالي رحمه الله التي استمرت ستة أيام.
بلغ عدد الحكومات الأردنية منذ تاريخ تأسيس إمارة شرقي الأردن وحتى عام 2009، أي منذ تعيين السيد رشيد طليع رئيساً لمجلس المشاورين ـ كأول تسمية للسلطة التنفيذية، وقد تألف المجلس في الحادي عشر من نيسان عام 1921م، فكان بمثابة أول حكومة مركزية في شرقي الأردن ـ وحتى حكومة دولة السيد نادر الذهبي رئيس وزراء الأردن الحالي الذي كان قد شكل حكومته بتاريخ 25/11/2007 أي ما مجموعه الكلي 92 وزارة.
في عام 5/5/1953 صدرت الإرادة الملكية السامية بتأليف أول وزارة في عهد جلالة الملك الحسين ابن طلال برئاسة دولة الدكتور فوزي الملقي. تقدمت الحكومة الجديدة بأول بيان وزاري لها أمام مجلس النواب بتاريخ 24/5/ 1953 وقد ركزت على احترام الحريات الشخصية وحقوق الإنسان وتطبيق مبدأ سيادة القانون، وحفظ استقلال البلاد وسيادتها وتوطيد الأمن الداخلي، فضلا عن تعميم التعليم الابتدائي وفتح العيادات الصحية في القرى والأماكن النائية.
ونهج الدكتور فوزي الملقي في حكومته سياسة التخفيف من البطالة بين المواطنين، والتأكيد على السياسة القومية كون الشعب الأردني جزء من الأمة العربية، كما عمل على إعادة النظر في العديد من القوانين المالية بشكل خاص، وكانت حكومته قد استمرت حتى تاريخ 2/5/1954م.
في 4/5/ 1954 ألف السيد توفيق أبو الهدى حكومته الحادية عشرة وفي عهده حل مجلس النواب في 22 حزيران 1954 لمعارضته لسياستها ثم أشرفت حكومته على إجراء انتخابات نيابية جديدة بتاريخ 16 تشرين الأول 1954. وتألفت حكومته الثانية عشرة والأخيرة في 24 تشرين الأول 1954، وتقدمت باستقالتها في 28 أيار 1955.
وسجل أبو الهدى الرقم القياسي في تشكيل الحكومات الأردنية على امتداد تاريخ الأردن، حيث عاصر ثلاثة ملوك، وكلف بتشكيل اثنتي عشرة حكومة، كان أولها عام 1938 في عهد الإمارة، لكنه قرر في الثاني من تموز لعام 1956 إنهاء حياته بنفسه، بعد حياة زاخرة بالعمل السياسي.
في الأثناء تشكلت حكومة السيد سعيد المفتي الثالثة يوم 30 أيار 1955 وتقدمت ببيانها الوزاري في 16 آب 1955 وكان أكثر ما اهتمت به حكومة المفتي في الشأن الداخلي هو معالجة الوضع الاقتصادي، والاستغناء عن القروض الخارجية واستثمار إمكانيات المملكة الطبيعية والزراعية وتحسين شبكة المواصلات وتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية للمواطنين، وتسليح الجيش وإيجاد قوة جوية وزيادة عدة الحرس الوطني وغيرها. وهكذا قدمت حكومة المفتي استقالتها في 14 كانون الأول 1955.
بذلك نكون قد سلطنا الضوء على المراحل الأولى من المشهد السياسي لتاريخ الحكومات الأردنية منذ تولي الملك الحسين بن طلال رحمه الله سلطاته الدستورية، مرورًا ببعض الانجازات وحركة الازدهار التي مر بها الأردن في عهد الحسين، ونسعى لاستكمال الكتابة عن هذه المسيرة من خلال سلسلة مقالات لاحقة ستنشر في هذا السياق انشاء الله.
كاتب وباحث
dr.hayel66@yahoo.com