آن الأوان أن يتصرف الأردن بطريقة مختلفة، امام المشهد الإقليمي، وهو مشهد لا يمكن تبسيطه ابدا، ولا التهوين من تفاعلاته المقبلة.
الأردن ما يزال قويا وصلبا برغم كل الازمات التي فيه، وابرزها الازمة الاقتصادية، وبنيته الاجتماعية بكل سماتها الإيجابية والسلبية، ما تزال متماسكة، ومتفقة ضمنيا، على أن الأردن يجب ان يبقى سالما مهما كانت عناوين التذمر.
ثقل الظرف الإقليمي يزداد، والسؤال يرتبط حول قدرتنا على مواصلة تجنيب البلد كلف هذه الازمات التي تشتعل في كل الإقليم، خصوصا ان بعضها ترك أثرا مباشرا، وبعضها يترك أثرا غير مباشر، لكن الحريق الإقليمي يكبر ويمتد يوما بعد يوم.
العراق خرج لتوه من مظاهرات دموية، والدعوات للتحشيد يوم الجمعة المقبلة، عادت بشدة، من تيارات سياسية مختلفة، والنار تشتعل في سورية وان كانت اقل حدة مما سبق، والوضع في لبنان على صفيح ساخن، وهو مؤهل للانزلاق نحو الهاوية، وفلسطين تحت الاحتلال، والتهديدات في القدس والضفة الغربية لا تتوقف، والأتراك على تماس مع الاكراد والملف السوري، والايرانيون يؤججون مواجهات في كل مكان، بما فيها الخليج العربي، وتأثير ذلك على أمن المنطقة، عموما، وعلى العالم بشكل عام، والتقلبات السياسية في كينونة الاحتلال تلقي بظلالها على المنطقة، وعلى الأردن، والتهديدات التي يجابهها الاشقاء المصريون متعددة، بل وترتبط الحلقة المصرية بالسودان، وبأمن البحر الأحمر، ومع كل هذا الجماعات المتشددة، والعناوين الطائفية والمذهبية، والتراجعات الاقتصادية في كل المنطقة، وتأثير ذلك من دولة على دولة، كأننا امام عدوى أمنية وسياسية واقتصادية.
حتى الآن لم يتضرر الأردن إلا جزئيا، خصوصا على صعيد ملف اللاجئين، والملف الاقتصادي، وحالة الإغلاقات التي نعاني منها على صعيد الدولة، والقطاع الخاص، لكن السؤال يرتبط بالقراءات الاستراتيجية لهذا الوضع، واذا ما كنا في العام 2020 على قدرة للتكيف مع كل هذه الانهيارات الإقليمية بذات الطريقة التي مررنا بها، أم إننا أمام أخطار سوف تتضاعف، ولا تكفي معها الإدارة اليومية، او مشاعر الطمأنينة التي تسيطر علينا، في حالات كثيرة، ربما لكون الأردن عبر ظروفا اصعب في أوقات سابقة.
هذا يعني أن الأصل وضع سيناريوهات للفترة المقبلة، وعدم التصرف على أساس ان هذه الحرائق لن تؤثر علينا، فهي تمتد بهذه الطريقة التي نراها من بلد الى بلد، وتأثيرات ذلك الكلية على الإقليم، امنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالضرورة هنا، وضع خطة جديدة للتعامل مع الداخل الأردني، عبر انهاء اي أزمات ظاهرة او كامنة، إضافة الى ضرورة سعي الأردن لتشكيل تحالف عربي جديد، في ظل التحولات الجارية التي لم يعد مناسبا معها الاتكاء على جامعة الدول العربية، او أي مجالس اقل درجة من الجامعة، ومن هذه الزاوية وحصرا الأردن مدعو لمراجعة سياسته الخارجية أيضا، وحض الأطراف التي سلمت من كل هذه الحرائق أيضا، الى صياغة معسكر جديد، امام هذه التحولات المتسارعة، التي لا يصح التفرج عليها، مع حسابات الاعراض الجانبية لها.
سيناريوهات الأردن 2020 لا بد ان تقرأ بكل عمق، التحولات في المنطقة، وأثرها علينا، والاستعداد لها عبر الملفين الداخلي والخارجي، والحاجة الى شركاء عرب هنا، حاجة ملحة، في ظل ما نراه من مؤشرات على أن الأزمات تلد أزمات اكبر.
الغد