نشرت منظمة حتمية التقدم الاجتماعي "Social Progress Imperative" غير الربحية والتي مقرها الولايات المتحدة مؤخرًا مؤشر التقدم الاجتماعي "Social Progress Index" للعام 2019 والذي يرصد مستويات الرفاهية في 149 بلدًا حول العالم، وتقوم فلسفة المؤشر على قياس رفاه الحياة للمواطنين بعيدًا عن المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي أو حصة الفرد منه أو الاستثمار، بل من خلال قياس تقدم الدول في توفير التشريعات والخدمات الحكومية وأثرها على جودة حياة المواطنين وإسهامها في بناء مجتمعات تتمتع بمستويات معيشية مرتفعة.
ويتكون مؤشر التقدم الاجتماعي من ثلاثة محاور رئيسة كل محور يقيس مجموعة من العناصر، فالمحور الأول منه تحت مسمى "الحاجات الإنسانية الأساسية" ويندرج ضمنه عناصر التغذية والرعاية الصحية الأساسية، والمياه والصرف الصحي، والسكن والمأوى، والأمان الشخصي، أما المحور الثاني "أساسيات الرفاهية" فتُعنى بعناصر إتاحة الوصول للمعرفة، إتاحة الوصول للمعلومات والاتصالات، الصحة والعافية، وجودة البيئة، والمحور الثالث "الفرصة" يرصد عناصر الحقوق الشخصية، وحق الحرية والاختيار، والاندماج للفئات المجتمعية، وإمكانية الوصول إلى تعليم متقدم، ويتم قياس جميع العناصر الواردة ضمن الثلاثة محاور من خلال 51 مؤشر قياس أداء.
وتُظهر نتائج مؤشر التقدم الاجتماعي إلى تحقيق الأردن ترتيبًا عالميًا بلغ (63) من أصل (149) دولة، والذي يُعتبر متقدمًا نوعًا ما حيث جاءت المملكة في المركز الثالث عربيًا بعد تونس (51) والإمارات العربية المتحدة (61)، بينما تصدّر التصنيف العالمي النرويج تلتها الدنمارك ثم سويسرا، وفيما يختص بالاحتياجات الأساسية والذي تصدّرته سينغافورة حقق الأردن المركز (46) بعد دولة ماليزيا، وجاء ترتيب المملكة (74) في محور أساسيات الرفاهية والمركز (80) في محور الفرصة.
وبالنظر إلى العناصر الفرعية الأعلى والأدنى مقارنة ببقية دول العالم ضمن المحاور الثلاثة الرئيسية فيلاحظ أن المملكة حققت مراكز متقدمة في عنصر السكن والمأوى (34) عالميًا وفي الصحة والعافية في المركز (36) بينما جاء ترتيب المملكة متأخرًا نسبيًا فيما يرتبط بالاندماج للفئات المجتمعية (124)، وجودة البيئة (120) عالميًا.
وفي ظل الظروف الاقتصادية القائمة في المملكة وارتفاع حجم المديونية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وتزايد نسب البطالة إلى معدلات قياسية، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتواضع نسب النمو الاقتصادي وعدم تحقيق النتائج الاقتصادية المرجوة، إلا أن مستويات الرفاه والتقدم الاجتماعي تحقق نتائج جيدة متفوقة على دول مؤشراتها الاقتصادية أفضل حالًا بكثير.
فبحسب بيانات منظمة حتمية التقدم الاجتماعي فقد بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وفقا لتعادل القوة الشرائية "GDP PPP per capita" وبالأسعار الثابتة في الأردن (8,309) دولار وبالمركز (86) عالميًا وبلغ لقطر (112,532) دولار وفي المركز الأول عالميًا، بينما أشار إلى حصول المملكة على المركز (63) وقطر (64) عالميًا فيما يرتبط بترتيب الدول في مؤشر التقدم الاجتماعي، وجاءت لوكسيمبورغ في المركز الثاني عالميًا بنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وفقا لتعادل القوة الشرائية بينما جاء ترتيبها 16 في مؤشر التقدم الاجتماعي.
مما يؤكد بأنه وبالرغم من تصدر الملف الاقتصادي أولويات عمل الحكومة واهتمام المواطنين بحسب استطلاعات الرأي، إلا أن هناك العديد من القضايا والمواضيع التي لا تتطلّب استثمارات أو مخصصات مالية كبيرة، كالمواضيع المرتبطة بالحفاظ على البيئة، والإدماج السياسي والاجتماعي، والحريات، وغيرها، تستوجب من الحكومات المتعاقبة إعطاءها الأهمية المطلوبة ووضع الخطط التنفيذية اللازمة لتحسين أداء المملكة فيها، ورصد التقدم الحاصل بالمقارنة مع بقية دول العالم، والذي حال حصوله سينعكس بشكل مباشر على تحسين مستويات الرفاه الاجتماعي للأردنيين.