شق الباحث ميشال دو سرتو Michel dec Certeau ، في كتابه المعنون «فنون الأداء، اختراع اليومي» سنة 1980م، الطريق لحل الإشكالية المتعلقة بالاستخدامات المباشرة للوسائل السمعية والبصرية وتلقيها. وصادقت أفكار سرتو على فكرة مفادها أن السلطة غير موجودة في عمليات الوسيط الإعلامي، إلا أن قناعات سرتو كانت راسخة بأن أدوات الإخضاع والخنوع كانت لا زالت قائمة في موضوع الإعلام، بيد أنّ الحال اليوم اختلف فتبدو الحكومات والسلطات كلها مرتهنة للجمعي الصادر عن الشعب عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
مع نهاية عقد الثمانينات وبداية التسعينات كانت الدعوات تتصاعد إلى نظام جديد في البنى والسياسات الإعلامية الدولية، ووجد العالم النامي أنه متاثر بعاملين هما الغرب والسلطة الحاكمة، المتكمنة من امتلاك المؤسسات الإعلامية سواء عبر الصحف والتلفزة التي كانت تتبع الحكومات والرؤساء والقصور الجمهورية.
لم يكن ممكنا تطوير الإعلام في ظل انظمة شمولية تغطي مختلف دول ومجتمعات آسيا وافريقيا، وكان لمؤتمر اليونسكو الذي عقد في براغ سنة 1980 وصدر عنه تقرير بعنوان:» أصوات كثيرة في عالم واحد» أن ترجم هذا التقرير إلى جميع لغات العالم، وجنباً إلى جنب صدر عن اليونسكو قرار يؤكد على دعهما لاستحداث نظام جديد للإعلام والاتصالات. يومها عبرت رئيسة وزراء الهند عن الحاجة إلى إعلام مفتوح خالٍ من هيمنة تدفق الأنباء عبر وكالات الاسوشيتد برس والانترناشونال ووكالة الصحافة الفرنسية ورويترز، والتي كانت تمتع بممارسة التحكم الاحتكاري بتفدق الانباء على البلدان النامية، ومما قالت أنديرا غاندي:»
«نريد أن نسمع الأفارقة وهم يتحدثون عن الأحداث الجارية في إفريقيا، ولابد أن تكونوا بالمثل قادرين على سماع تفسير هندي للأحداث الجارية في الهند، من المدهش أننا لا نعرف إلا القليل جدا عن كبار الشعراء والروائيين والمؤرخين والكتاب المنتمين إلى بلدتن آسيوية وافريقية وأميركية لاتينية ...في حين أننا نسمع عن اسماء ثانوية كثيرة في كل من أميركا وأوروبا».
هكذا كانت البداية الرافضة لهيمنة الغربي، والسلطوي معاً، فشق الجدل طريقه لتحرير الإعلام من هيمنة الدولة نهاية الثمانينات، ويلاحظ أن الدولة بسبب الأهمية الطاغية للإعلام سعت للحفاظ عليه عبر مجالس وهيئات ووزارات اعلام تلغى وتعود، حتى جاءت نهاية عقد الثمانينات بمقولة «تغطية العالم» حسب رأي لويس فريدلاند، ففي تلك السنوات شهد العالم حدثين ضخمين جعلت فضائية مثل CNN في مستوى العالمية، وتوسيع دائرة الأخبار العالمية، فلم تعد تكتفي بالحديث عن الأحداث بقدر ما أخذت تعمل على قولبة الأحداث وتشكيل جزء منها. ومثل هذه القولبة لم تقف عن حدود اجتذاب مشاهدين جدد بل أجبرت شبكات أخرى على اعادة النظر بمقاربتها للأخبار من حيث الجوهر، وحفزت كلا من «البي بي سي/BBC والإن إتش كي/NHK وغيرهما على إطلاق شبكاتها التلفزيونية الخاصة.
نهاية الالفية الثانية وبداية الثالثة اوجدت زمنا جديداً عنوانه الاعلام المفتوح، وبعد عقد أي عام 2010 بدأ زمن جديد، تطورت في البنية التواصلية التي جعلت المواطن فاعلا وناشرا ومحررا، واليوم يزداد الـتأثير أكثر كلما تقدمت التكنولوجيا ووسائطها، وفي المقابل تتراجع البنى السلطوية للدول على الإعلام.
كان سماع صوت الناس معضلة، قبل عقود، وبات اليوم صوتهم أكثر وضوحا بفعل تطور وتقدم العلم والمعرفة الاتصالية، هذا كله يحتم على مؤسسات الإعلام بناء فكر جديد ومنظومة برامج جديدة، والصحف والتلفزيونات عليها أن تتغير وتواكب التطور الكبير والمتسارع.
الدستور