الضمان الاجتماعي .. الى اين ؟
د.خليل ابوسليم
22-11-2009 12:09 PM
عمون - عندما صدر القانون المؤقت المعدل لقانون الضمان الاجتماعي، سطرت مقالا يتناول ذلك التعديل منتقدا إياه من حيث الشكل والمضمون، ومن باب الإنصاف فقد تجادلت كثيرا مع رئيس التحرير الذي كان رأيه بعدم نشر المقال كون التعديل قد تم الترحيب به- من وجهة نظره- من قبل جهات عديدة مهتمة بهذا الشان، وأنا سوف أكون كمن يغرد خارج السرب، الأمر الذي دفعني إلى سحب المقال والإمتناع عن ابداء الرأي فيه – القانون- لا تأييدا له، لعدة أسباب من ضمنها أن القانون سوف يمر من خلال المجلس النيابي الذي ما تعودنا منه إلا الوقوف مع مصالحه الخاصة، حيث لم يعد وجود المجلس من عدمه مهما لدى الأغلبية الصامتة من أبناء الوطن، والقانون جاء ليلبي تلك المصالح – لأن معظمهم رجال أعمال- ليبقى المواطن هو الخاسر الأكبر في ظل معادلة السلطة لدينا.
اليوم وجدت نفسي في مكتب عطوفة الدكتور عمر الرزاز المدير العام لأكبر مؤسسة وطنية في زيارة لم يخطط لها سابقا البته، حيث لا معرفة مسبقة بيني وبينه بقدر ما هي مراجعة في معاملة خاصة بي رغبت أن أطلعه عليها، وحتى أكون منصفا فقد وجدت باب الرجل مفتوحا لمن يرغب بمقابلته، حيث تم اللقاء بيني وبينه بشكل يبعث على الطمأنينة والإرتياح.
تم الحديث عن مشروع القانون والقانون المؤقت الذي تم إصداره، حيث لمست من الرجل إهتماما بضرورة تصويب أو تعديل القانون الحالي نظرا لطبيعة المرحلة التي تمر بها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، ومن هنا فقد إتفقنا على أن القانون لا بد من تعديلة وبهذا نكون قد إتفقنا على أن نتفق منذ البداية قاطعين شوطا لا بأس به في حل المشكلة حيث الإعتراف بها يعتبر نصف الحل.
أما نقاط الإختلاف فكانت تتعلق بالنصف الثاني وهو آلية الحل التي نريد، حيث في جعبتي العديد من الملاحظات على القانون والمؤسسة بشكل خاص- وسأتطرق اليها لاحقا-، وقد تركز الحديث حول الدراسات الإكتوارية التي أجرتها المؤسسة، حيث أشرت إلى أن معظم مدخلات تلك الدراسات هي خاطئة بالدرجة الأولى كونها أعتمدت على أرقام مأخوذة من إحصاءات الحكومة، وفي حقيقة الأمر أن تلك الأرقام بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع، لأننا ما تعودنا على الصراحة والشفافية من قبل أي حكومة كانت إلا بالقدر الذي يخدم مصالحها لا مصالح المواطنين، وسأعطيكم مثالا واحدا على صحة ما أدعيه، حيث أشارت الحكومة في شهر تشرين أول عام 2008 إلى أن معدل التضخم كان بواقع 15.5%، وفي نهاية العام – أي بعد شهرين- وصل معدل التضخم الى حدود3%، فأي عاقل يستطيع أن يصدق ذلك، والأدهى من ذلك أن كتاب التدخل السريع واقتصاديو الحكومة سارعوا إلى تأكيد وتأييد هذه الأرقام! وهل يستطيعون غير ذلك طالما أرزاقهم وأقدارهم بمقدار تأييدهم للحكومة وتوجهاتها؟
أيضا الدراسات تفترض أن معدل عمر المواطن على مستوى العالم يزداد بواقع 2.5 سنة كل 10 سنوات، وبرأيي المتواضع أن هذا قد يحدث ولكن في الدول الغربية المتقدمة واليابان وغيرها، أما لدينا في الأردن وبعد تعدد وسائل الحكومة في قصف الأعمار فإن نظرة واحدة إلى صفحة الوفيات كافية لمعرفة أن معدل عمر المواطن الأردني ممن كتبت له الحياة يتناقص بشكل متزايد إلى الدرجة التي بتنا نخشى على أنفسنا الإنقراض كما حدث في مملكة الديناصورات.
في التعديل الجديد حدد القانون سقف الراتب التقاعدي بمقدار 5000 دينار، وهذا لنا عليه ايضا اعتراضات لا مجال لذكرها، أما أكبر خطيئة فكانت هي إلغاء التقاعد المبكر، وللحكومة أن تتصور هنا مواطنا عمل في القطاع الخاص لمدة تزيد عن عشرين أو ثلاثين عاما ولم يبلغ السن القانوني للتقاعد، ثم قام رب العمل بالاستغناء عنه لأي سبب كان- وما أكثرها لدينا-، ماذا سيكون حال هذا الموظف وأسرته حينها عندما يكون قد بلغ أرذل العمر والذي أصبح يبدأ لدينا مع أول صرخة يطلقها منذ ولادته، ثم أين هي الحكومة من كل هذا الهدر في أموال الشعب؟ ولماذا لا تكون ردة فعلها كما فعل عمر بن الخطاب مع الشيخ اليهودي عندما قال:" ما أنصفناه إذا أخذنا منه الجزية شابا ثم نخذله عند الهرم"!!
أعتقد أننا بذلك نكون قد دفعنا به وأسرته إلى هاوية الإنحراف والتشرد التي هو بالأصل واقف على حافتها متعلق بآمال شبيهة بخيوط العنكبوت لا يعلم الوقت الذي ستتهاوى فيه قدرته على المقاومة، والسقوط في مستنقع الفقر والبطالة والإنحراف الذي يدفعه إليه الهوامير والحيتان الذين أوصلوا البلد إلى ما وصلت إليه.
إن هذا التعديل يستوجب تعديلا على عقود العمل المعمول بها مثلما يستوجب تعديل بعض بنود قانون العمل الحالي حفاظا على حقوق العمال والموظفين، وعلى وجه التحديد تلك المادة التي تتيح لرب العمل الإستغناء عن العامل في أي وقت يشاء ودون إبداء الأسباب والذي بات يعرف بالفصل التعسفي وهو ممارس بشكل صارخ لدى القطاع الخاص دون حسيب أو رقيب.
على أن أي تعديل يبقى ناقصا إذا لم تتبعه أيضا قرارات أخرى مهمة وفي مقدمتها محاسبة بعض المسئولين عن إدارة أموال الوحدة الاستثمارية الذين صفقت لهم الحكومة عندما أعلنوا عن أرباح غير محققة بأكثر من 300 مليون دينار ناتجة عن إعادة تقييم موجودات المؤسسة وذلك لحاجة في نفس يعقوب قضاها، لـتعلن لاحقا عن خسائر محققة فاقت 500 مليون دينار، أولئك الذين إستنزفوا أموال الشعب من خلال القرارات الخاطئة والتي أدت إلى بيع جزء كبير من موجودات الضمان بثمن بخس – ولا نعتقد أنها بدون مقابل- مما أضاع جزءا كبيرا منها وأثرت البعض على حساب الشعب بدعم من الحكومة وأعوانها، وأوصلوا المؤسسة إلى الدرجة التي قد ننعاها فيها.
ومن هنا فان الحكومة مطالبة بالدخول في دراسة جادة بمشاركة المعنيين بالامر والتوقف عن إستغفال المواطن وعن إغماض العين وغض الطرف عنهم وإلا ستكون شريكة لهم في ذلك وسنكون كمن يحصد العفير.
kalilabosaleem@yahoo.com