خلال الإضراب الأخير للمعلمين وأثناء النقاشات التي دارت حول أحقية الزيادة وأوضاع الموازنة واولويات البلاد وامكانية إعادة الهيكلة نادى العديد من الأردنيين بحل الهيئات والمجالس والسلطات التي أنشئت في البلاد واصبحت توظف اكثر من 25 الف مستخدم وتنفق ما يزيد على مليار ونصف مليار دينار سنويا. الأصوات التي تعالت في الكثير من الاوساط والدوائر دعت إلى بحث جدوى وجود هذه الاعداد من المؤسسات الوليدة خصوصا وان هناك وزارات واجهزة رسمية كانت وما تزال قادرة على القيام بمهام هذه الهيئات التي رأى البعض في وجودها إضعافا للدولة وتفريغا للوزارات من مضمون مهامها وواجباتها الاصلية.
في الأردن اليوم ما يقارب الـ 70 مؤسسة وهيئة مستقلة ومجلس. الهيئات المستقلة أحدثت الكثير من التعقيدات في البنية التشريعية وأتخمت الخزانة القانونية للحكومة والمؤسسات بالقوانين والانظمة والتعليمات التي تتغير بمتتالية يصعب ضبطها. تعدد المؤسسات وسرعة تغيير التشريعات احدث تشابكا وارتباكا في مهام ومسؤوليات الاجهزة في القطاعات المختلفة وفي القطاع الواحد احيانا. في قطاع النقل يوجد وزارة وست هيئات ومؤسسات أخرى تعنى جميعها بتنظيم النقل الذي لم ينظم بعد بل يعاني من مشاكل واعتلالات يصعب حصرها. كما في النقل يوجد في الإعلام والاتصالات والتعليم والسياحة وغيرها عشرات الهيئات التي لم تغير كثيرا في واقع القطاعات.
بالرغم من الحديث عن الاستقلال المالي للهيئات الا انه تتغذى جميعا من الموازنة العامة وتضيف مصاريفها إلى عجز الموازنة مبالغ يمكن تقليصها. في كل عام يخصص للهيئات المستقلة ما يزيد على مليار ونصف المليار دينار في حين ان اسهامات عائداتها في رفد الاقتصاد متواضعة وغير منظورة.
غالبية الهيئات مستقلة اداريا وقانونيا لكنها معتمدة ماليا على الموازنة. بالرغم من ان المأمول من تأسيس الهيئات تحفيز الاقتصاد وتسهيل الخدمات وتجاوز الروتين الا ان وجودها لم يحدث فرقا ملحوظا لا في الخدمات ولا في النمو او مجابهة الروتين. في كافة القطاعات ما يزال الاستثمار يعاني من التعقيدات ومركزية القرارات والاشكالات التي لم تكن موجودة قبل توالد هذه الهيئات والمؤسسات.
العديد ممن يشغلون مواقع الادارة في الهيئات المستقلة عينوا لأسباب تتعلق بصلاتهم وقربهم من صناع القرار اكثر من كونهم الاكثر ملاءمة وكفاءة. لا يحتاج الباحث للكثير من التدقيق للاستنتاج بأن الهيئات وجدت لإفراغ المؤسسات من الادوار والوظائف التقليدية المحكومة بالقوانين والاجراءات لحساب الهيئات التي تسهل أعمال الخصخصة والتشغيل وإدارة البرامج والمنح والإعانات بآليات ومنهجيات مختلفة.
الانطباع العام لدى الشارع الأردني أن الهيئات المستقلة والمجالس التي ظهرت في العقود الاخيرة كانت وما تزال أحد أهم أسباب المشكلات الاقتصادية، وعرضا من أعراض التشوهات الادارية والاجتماعية التي أصبحت مصدرا من مصادر الاستفزاز والتوتر الاجتماعي والمسؤولة عن تدهور العلاقة بين الحكومات والمجتمع. فالهيئات الجديدة توظف أبناء النواب والوزراء والشخصيات المتنفذة غير ملتزمة بقواعد الدور والكفاءة وتمنحهم رواتب وعلاوات تفوق بدرجات ما يتلقاه المستخدمون في القطاع العام. في الاوساط الشعبية هناك اعتقاد بعدم جدوى هذه الهيئات وتشكيك بالاسباب والدوافع التي ادت إلى التوسع في انشائها.
الغد