هذه معلومات مذهلة، تلك التي نتحدث عنها بشكل يومي، وباتت عادية عند البعض، لكنها من جهة ثانية تقول لك ان المستقبل اصعب بكثير، من الواقع، وان الأفق مسدود.
ديون مصر الداخلية والخارجية تتجاوز ثلاثمائة مليار دولار، ديون الأردن تتجاوز الأربعين مليار دولار، ديون لبنان تتجاوز الثمانين مليار دولار، ديون العراق تتجاوز أيضا مائة وثلاثة وسبعين مليار دولار، ديون المغرب تقترب من تسعين مليار دولار، والحبل على الجرار.
الأمر من جهة ثانية يمتد الى دول كبرى، مثل الولايات المتحدة، واليابان، وبريطانيا، وفرنسا، وغيرها من دول لديها ديون مذهلة أيضا، داخليا وخارجيا، لكنها مقابل ديونها، قدمت لشعوبها الكثير، وهي ديون مفسرة على أي حال.
لكننا نتحدث عن العالم العربي، حصرا، إذ إن الفرق بيننا وبين الدول الأخرى، ان العالم العربي ثري جدا بالموارد، وهو أيضا غير فقير، لكن شعوبه فقيرة، إضافة الى ان ارقام النمو السنوية منخفضة، وتتراجع عاما بعد عام، مقابل زيادة في اعداد المواليد والخريجين والعاطلين عن العمل، وتفشي الفساد، وغياب العدالة، وانعدام البنى التحتية.
عن أي مستقبل نتحدث في العالم العربي امام هذه الأرقام المذهلة، التي تسببت بها عوامل كثيرة، من سوء الإدارة الرسمية، وانتشار الفساد، وعدم استغلال الموارد، ومساهمة الناس أيضا بحصتهم في هذا المشهد، عبر تغييب التخطيط على المستوى الفردي والعائلي، او على المستوى الاجتماعي الاقتصادي؟
لا يمكن لأي دولة عربية ان تكون قادرة على سداد هذه الديون، وترحيل الديون من جيل الى جيل، يعني ان الأجيال المقبلة امام أزمات كبرى، وسيتم حرمانها حتى مما هو متوفر هذه الأيام، على صعيد الخدمات الحكومية من تعليم وعلاج، او حتى على مستوى توفر فرص العمل، والحياة، والعيش ضمن حدود دنيا، او اقل منها.
بحساب الرياضيات نحن امام عالم عربي مرهون للمصارف، داخل تلك الدول وخارجها، والرهن هنا قد يبدو سياسيا، لكنه في حقيقته يعد رهنا لشعوب بأكملها عليها ان تدفع ثمن هذه السياسات، وهذا الواقع لن يتغير بالمناسبة، ولا بأي نوع من أنواع الغضب والفوضى، لان الدين المطلوب سيبقى مطلوبا حتى يتم سداده.
الكارثة الأهم ان العالم العربي امام هذه الازمات، هرب باتجاه الخصخصة، وبطريقة أدت الى تسليم موارد دول كثيرة الى مستثمرين عرب وأجانب، بمعنى ان الدول تخلت عن القطاع العام، أولا، وتخلت عن واجباتها، ثم سلمت اهم مواردها الى جهات استثمارية لها شروطها، مقابل دفع المال، لكن المحصلة، ان هذه الدول بعد عشرة أعوام ستكون غارقة
بديون اكثر، مع فوائدها، إضافة الى خسارتها لكل مزاياها النسبية في مواردها.
من ناحية اقتصادية متخصصة يقدم الخبراء وصفات لسداد هذه الديون، لكن الواقع يبدو مختلفا تماما، إذ إن سياسات الاستدانة، والتورط بالفوائد، سياسات أدت الى استحالة التخلص من هذه الديون، وكأن الحل الوحيد المتاح بعد قليل، هو امتناع هذه الدول عن السداد، بشكل جماعي، وهو حل يبدو انتحاريا، وله كلفته الكبرى أيضا.
إذا كانت كل المؤشرات تتحدث عن سنين صعبة مقبلة على صعيد اقتصاد العالم، فإن أزمة الديون وفوائدها من ناحية أخرى، ستؤدي الى عواصف في العالم العربي، على الصعيد الاجتماعي والثقافي، وعلى مستوى الاستقرار الداخلي في الدول، وطبيعة الأجيال التي ستأتي لتواجه هذه الأزمة، والمفارقة ان اغلب الدول العربية تتبنى ذات السياسة، أي الاستدانة من اجل سداد الديون، وهذه سياسة تكشف منسوب الاستعصاء والفشل، حين ترى دولا كثيرة تستدين من اجل سداد الفوائد، وليس الدين الأصلي.
تأثير كل ذلك على العالم العربي، لا يمكن تبسيطه ابدا، ولعل السؤال الأهم يتعلق بهذه الديون، ولماذا تم الحصول عليها اذا كان العالم العربي، بائسا الى هذا الحد، فلا مشاريع جديدة، ولا مستشفيات او جامعات، وكأنها ديون وقعت على رؤوسنا مقابل لا شيء، وربما تتساوى اغلب الدول العربية في هذه الحقيقة، أي التورط في الديون، دون أي تفسير لها، في ظل التردي الذي نراه، وغياب الحياة!
الغد