ذكرى وصول الملك المؤسس لمعان ..
أ.د. سعد ابو دية
21-11-2009 06:02 PM
عبدالله بن الحسين (1299- 1370 هـ)
( 1882-1951 م )
قبل 89 عاما وصل الملك المؤسس الى معان وكانت البدابات وقبلها بدابات ايضا
البدايات الاولى :
هذا مختصر من ما بدأه الملك المؤسس من حديث في مذكراته... قائلاً:
" أنا عبدالله بن الحسين صاحب النهضة العربية الأخيرة وموقظ قومهم من رقدتهم ومؤسس ملكهم، بن علي بن محمد أمير مكة بن عبدالمعين بن عون وامي عابدية بنت عبدالله بن محمد بن عبدالمعين بن عون..."
" ولدت بمكة المكرمة وشعرت بالوجود أول ما شعرت به في الطائف وانا أحبو ... وهذا أول ما اذكر من الدنيا" توفيت والدتي وانا في الرابعة وقد اقبلت على الخامسة من سنين عمري، فكفلتني جدة والدي لابيه وهي الشيخه صالحه بنت غرم الشهرية العسبلية، أم علي بن محمد بن عبدالمعين ... وهكذا نشأ الملك المؤسس تنشئة عربية محضة وفي وسط النساء العربيات من بني شهر، سمع الوقائع والحوادث والأشعار الحماسية التي ظل جلالته يذكرها..ثم بدأ يتعلم القرآن على يد الشيخ ياسين امام والده آنذاك وهو شريف مكه وأميرها وقد وعد الشيخ ياسين الأمير عبدالله بن الحسين بجمل لفرط حبه للأبل ولأغرائه بالقراءة وفعلاً احضر الجمل وربطه في ناحية من الحيز المخصص للدراسة فكان الأمير يظل عند رأس الجمل عندما يتم تعليفه الى أن ينتهي علفه.
وهكذا كان للشيخ ياسين ولذلك الجمل الفضل في الاندفاع للعلم الذي تميز به عبدالله بن الحسين عن كل أخوانه... .. وعندما وصل الامير عبدالله بن الحسين الى سورة المرسلات الشريفة وبها الآية الكريمة : ( كأنها جمالة صفر).
ذكرته بالجمل والشيخ ياسين فزاد شوقه الى التعليم. وكان الأمير عبدالله بن الحسين (الملك المؤسس) أكثر من باقي اخوته تعلقا باللغة والدين والتراث والخط، والخيل ، وعندما طلب الاتراك من والده الحسين بن علي التوجه الى الاستانة بعد خلاف مع عمه أمير مكة المرحوم (عون الرفبق) اكمل من العلوم مالم يتعلمه وهو طفل وتعلم التركية فاطلع على الأدب العربي والأدب التركي وهو واحد وحيد من الهاشميين من اتيح له هذا الشيء واقبل عليه فاصبح مطاع اللسان عالماً باللغة والدين والآداب الأخرى. كان العالم في حرب فهناك الحرب الروسية اليابانية والحرب الأميركية الاسبانية والحرب التركية اليونانية وانتصرت تركيا وهناك عدوان ايطالي على الحبشة، هذا الأجواء التي عاش فيها في الاستانة. أصبح والده في الاستانة عضواً في مجلس الشورى في الدولة... كان السلطان عبدالحميد يقول له اريدك أن تخدم الدولة وهو في الحقيقة مجبر على الاقامة في الاستانة
تصاريف القدر:
لم تكن الأحوال مستقرة كما ذكرت وكان الاتحاديون يسعون للسيطرة على الحكم ولهم مآرب... وعندما استولى الاتحاديون على الحكم بعد الانقلاب الدستوري وعزلوا السلطان عبدالحميد (1908 م ) كان الأمير عبدالله يومها في السادسة والعشرين من عمره... كان الثاني بين اخوانه علي ثم هو ثم فيصل ثم زيد ولكنه كان الأقرب والمساعد في صناعة القرارات لوالده إذ لاحظت انه أدى دوراً هاماً في الاستانة لخدمة والده وقد بذل جهوداً وتابعها حتى تحقق له ما يريد. وكان السلطان عبدالحميد قد عين الشريف علي متجاوزاً حقوق غيره ومنها حق ابن عمه الأكبر (الحسين بن علي) ومنهم أيضاً عون الرفيق. تم عين الاتحاديون الشريف عبد الآله بدلاً من الشريف علي ولكنه توفي قبل ان يسافر الى مكه ...هنا سعى الاتحاديون الى تنصيب الشريف علي حيدر بن جابر ابن عبدالمطلب بن غالب من غير ذرية عون.
تحرك الأمير عبدالله:
هنا تحرك الأمير عبدالله واقنع والده اولاً بأنه الأحق في إمارة مكة ولما وافق والده فأنه ارسل مذكرة الى جلالة السلطان وذهب الى الصدر الأعظم بنفسه واعجب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) كامل باشا من هذا التصرف الذي قام به الابن الثاني وليس الأول فلما سأل عن الأول الأمير علي أجاب بأنه مشغول في وفاة والد زوجته الشريف عبدالاله ولم يقنع الأمير عبدالله بجهوده التي قام بها فزاد عليها أن ارسل برقيات الى السلطان عن طريق ثلاث طرق منها واحدة عن طريق الصدر الأعظم والأخرى عن طريق مشيخة الاسلام العليا والثالثة عن طريق رئيس كتاب القصر السلطاني ...وفعلاً جاء الجواب وقابل الحسين بن علي السلطان فأصبح أميراُ لمكه...وبدأ من هنا الخلاف مع الاتحاديين – كانوا يريدون شخصاً آخر يسيطرون عليه
مواجهات الاتحاديين:
وهكذا تكللت جهود الأمير عبدالله بن الحسين بالنجاح واستطاع ان يغير مجرى الأحداث وان يبادر وان يعيد لوالده الحق الذي له وان يوجه الاتحاديين لأول مره وان يتفوق على مخططاتهم.
ولم تنته المعركة مع الاتحاديين هنا إذ انهم حاولوا السيطرة على الحسين بن علي في مكه متحدثين عن الدستور وعن التجديد فعاد بهم الحسين الى الماضي والى الاتفاق بين السلطان سليم الأول والشريف ابو نمي بكل أخلاقياته فلم يعجبهم فكتبوا انه لا يريد ان لا يقر بالدستور .
في معترك الحياة التشريعية:
كان الأمير عبدالله قريباً من العمل السياسي ومن ابيه دائماً وفي يوم واحد تلقى خبرين انه أصبح أباً للأمير طلال (1909) وانه اصبح في مجلس المبعوثان (نائب منتخب عن مكه) وانتخب ثلاث مرات علماً ان الاتحاديين كانوا يتدخلون في باقي المناطق فيصبح المبعوث وكأنه معين ويصبح اداة في ايديهم لقد لحق به شقيقه الأمير فيصل فأصبح نائباً عن جده.
اللباس العربي:
ظلت علاقة الأمير عبدالله بن الحسين مع اللباس العربي وثيقة جداً فلم يغير لباسه ولم يلبس لباساً اوروبياً كما فعل شقيقه الملك فيصل الذي أثر عليه العراقيون وربما السوريون في الشام أبناء المدن الذين كانوا يعتبرون أنفسهم (أفندية)
من الاستانة للمساعدة في الحجاز:
وعندما ارادت الدولة تأديب الادراسة في فترة كان فيها الأمير عبدالله في الاستانة فأن والده اصطحبه في تلك الغزوة التي كانت حداً فاصلاً في أن ينأ الحسين نفسه عن العثمانية التركية وان يتصرف كعربي.
الاتصالات الدولية :
نظراً لعلاقته الوطيدة مع الخديوي والالتقاء به في القاهرة كثيراً أثناء الرحلات من والى الاستانة فأنه تعرف مرة على (اللورد كتشنر) قنصل عام بريطانيا في مصر وقد عرف به الخديوي قائلاً " هذا ايد والده الفعالة"
"الأمير وسيط بين الحسين والسلطة:
كان الأمير عبدالله بن الحسين هو الوسيط في هذه الاتصالات يشرح وجهة نظره ويقترح ويقابل وزير الخارجية ووزير الحربية والصدر الأعظم وكانت جهوده ستنجح اذ انه استطاع توجيه السلطة في الاستانة للطريقة المثلى في التعامل مع الحسين في الحجاز ولكن تسارعت الأحداث واغتيل ولي عهد النمسا وزوجته في (سراجيفو) ولاحظ الأمير ان الاتراك هونوا من شأن الحادث ولكن توقعاته كانت افضل واعلنت الحرب العالمية بين النمسا وروسيا وطلب الاتراك جنوداً او مجاهدين من الحجاز وهذا كان سبباً جديداً في الخلاف مع الحسين بن علي اذ انه كان يريد مطالب حتى يحقق مطالب السلطة وهذه المطالب ترتبط بالحكم الذاتي في سوريه والعراق والافراج عن المعتقلين السياسين.
دخل الانجليز على الخط:
وبالرغم ان الانجليز دخلوا على الخط واتصل الكاتب الشرقي (ستورز) مع الامير عبدالله بن الحسين عارضاً استعداد بريطانيا لدعم الحركة العربية فأن الوالد (الحسين بن علي) اجاب بأنهم على غير استعداد للمطالبة بحق العرب (الآن ) وتم تكريم الرسول المصري.واستمر الانجليز في الالحاح .
وعرض مكماهون استقلالاُ حدده من الاسكندرونة وحتى رفح ثم البحر الأحمر ثم باب المندب ثم مسقط ثم حدود البحرين والكويت وولاية البصرة وحدود ايران وبلاد الكرد والجزيرة والموصل وولاية حلب حتى الاسكندرونة... ورحبت بريطانيا بالخلافة الاسلامية وان تعود للدوحة الهاشمية وطرح الانجليز موضوع فلسطين واجيبوا بأنها تدار على حرية الديانات الثلاث اذا صارت في حوزة العرب.
وهكذا اعلنت الثورة رسمي يوم 9 شعبان 1334 هـ الموافق 10 حزيران 1916 م يوم النهضة وتوزع أنجال الحسين الأدوار وكان عبدالله بن الحسين هو حلقة الوصل فأصبح في وقت لاحق وزيراً للخارجيه لوالده..
ولما كان الحسين بن علي بحاجة للسلاح والدعم المباشر فأن الأمير عبدالله بن الحسين ذهب الى ستورز الذي جاء الى جده ومعه لورنس وكان في القنصلية (ولسون) ولما وصل الامير حاول الانجليز التأثير عليه وان لا يأخذ ما يريد اذ اخبروه ان المسلمين في الهند احتجوا على الحرب ضد الدولة العثمانية وقام الأمير وتوجه الى الكولونيل (بريمون) في القنصلية الفرنسية وابلغه انه سوف يتوجه للاتراك ويعرض صلحاً عليهم وهنا غير الانجليز موقفهم التفاوضي وقبلوا ان يعطوا الحسين بن علي سلاحاً ومالاً وخبرات بشرية في حين أرادوا ان يدعموها عن بعد بالمال حتى لايغضب المسلمون في الهند.
مواجهة أخرى مع الانجليز في الهند:
اقنع الأمير عبدالله بن الحسين والده أن يعلن البيعة وكانت المفاجأة ان (ولسون) و(بريمون) ذكرا للأمير أن عليه أ، يبلغهما قبل الإعلان ، وهنا طلب منهما الامير رد حكوماتهما وليس ردهما الشخصي واطلعهم على تهنئة وزير خارجية روسيا القيصرية وظل هذا شد الحبل بين الأمير والانجليز لفترات لاحقة.
ميسلون وما بعدها:
وساقت الأقدار الأمير عبدالله أن يتوجه شمالاً بعد أن سقطت دمشق واحتل الفرنسيون سورية وغادر الملك فيصل وهنا وبالتنسيق مع والده توجه الى الشمال فوصل معان في 21/11/1920 م، وفي النية تحرير سورية من فرنسا ومن هناك خاطب السورين بأسم نائب ملك سورية وكانت نيته أن يعود بعد أن تسوى الأمور مع فرنسا، جاءه السوريون الى معان وبدأوا يطلبون منه مالاً لا يملكه، طالب كامل البديري 180.000 ليؤسس دائرة دعاية واستخبارات والشيء ذاته اراده بنية العظمه وطلب 80.000 ولكن الأمير وبامكانات بسيطة جداًوبدون مساعدتهم
أصدر جريدة (الحق يعلو) من معان وفي 28 شباط 1921 غادر معان الى عمان.
وفي عمان تأسست حكومة ودولة صغيرة بأسم حكومة الشرق العربي وتشكل فيها مجلس المشاورين (الوزراء) في 11/4/1921 م .
حرب عام 1948م.
اشترك الأردن في حرب 1948م وارسل الملك المؤسس النجدة الى القدس بقرار اتخذه على عاتقه بعد أن اشتد الضغط الاسرائيلي على القدس ولم تفلح الجهود ولم يستطع قائد الجيش عمل شيئاً من خلال القناصل في القدس، عندها اعلن الملك تشكيل مجلس وصاية وطلب من السرية السادسة في اريحا التوجه الى القدس وعندها اصبح كل شيء تحت أمر الواقع فأرسل قائد الجيش(كلوب) وفيه الكتيبة الرابعة الى اللطرون لقطع الطريق عن أية امدادات للاسرائيلين في القدس وهكذا احتفظ الملك بالقدس التي تم اغتياله فيها يوم 20/7/1951م في المسجد الأقصى الذي دافع عنه بتضحية قل مثيلها من أي زعيم سياسي وبخاصة مثل الملك المؤسس كان يرتبط بمعاهدة مع بريطانيا وكان قائد الجيش عنده انجليزي ومعه(95 ضابط بريطاني) ومع ذلك حقق ما أراد.
لقد كان الملك المؤسس قائد نهضة ومؤسس دولة وباني أمة ووراعي وحدة وحامل رسالة، وليس الحديث عنه بالحديث السهل ولكن من معينه نغترف .
أننا في الأردن نركز على التربية الوطنية هذه الأيام وتنمية الاحساس بالانتماء لتراب وطننا الصامد الصابر في وجه الأعاصير، فما احوجنا الى قراءة سيرة الملك المؤسس الذي خفق قلبه دوماً محبة للاردن الذي طالما تغنى بدوره في النهضة العربية بداية واستمرارية.
ا.د سعد ابو دية
abudayeh12@yahoo.com