اللغة التي يحبها الاردن !؟
فيصل تايه
19-10-2019 10:11 AM
لقد مللنا ومل الوطن والمواطن تصريحات وتوجيهات بعض المسؤولين وتعقيبات بعض مدراء الدوائر والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية في معالجة الكثير من القضايا الوطنيه والخدمية وذلك من خلال تلك اللغة الروتينية المعتادة ، وكأننا لن نعيش إلا إذا تنفسنا وتذوقنا وعشنا ما يقولون ، وبغير ذلك لن نغير من واقعنا شيئا ً، ويبدوا أننا لإدماننا لغة التصريح والقول صرنا نتخاطب بها حتى مع ذواتنا والوطن ، غير أن الوطن حقاً لم يعد يستطيب تلك اللغة كما لا زلنا نفعل حتى اللحظة ، الوطن يحب لغة العمل والتضحية وليس معادلات المصالح التي تعتمدها لغة ممله كقواعد لانطلاقها والاحتراف بها.
الاردن يريد الآن التحدث بلغة جديدة ، ضمن الظروف والمستجدات التي نعيشها ، لا تبرر ولا تؤصل ايه مشاريع معتاده كما قد تفعل لغات كثيرة ، إنه يريد أن يتحدث بلغة السماء عندما تنتشي بزرقتها الفضية إذا ما أمطرت ، ويريد أن يبتسم كوجه الشمس لأولئك القابعين خلف الكراسي أو في الأرصفة على حد سواء ، ويريد أن يضحك كرائحة الزرع في يد الحصاد على ذرى اردننا الخصيب ، ويريد أن يثرثر كأم مع طفلها لتشعره بالحميمية ، يريد أن يتحدث إلينا بلغة الألوان ، التي تحسن رسم كل تلك الملامح إذا اقتضت الحاجة ، ولذا كل من سيتحدث للآخرين بهذه اللغة سيحبه الوطن ، ويصطفيه ليكون من المقربين الى سجل مجده وعليائه .
الاردن يحب التأمل في لغات تلك الملامح من السواعد الوطنية ، التي استطاعت بناء التاريخ ، وضحت وما زالت تضحي ، فلم تنتظر معجزة من السماء لترزقها الامان والاطمئنان ، يحب ان تتحدث بلغته صادقة دون رياء ، بدون غضب كما يفعل الساسة واصحاب القرار ، وبدون مزايدة كما يفعل المزايدون ، دون انقاص لحق أحد لأن الوطن يؤمن بأنه مساحة كبيرة تتسع لكل تلك الملامح بتبايناتها وتناقضاتها .
واللغة الأخرى التي يعشقها الاردن ، هي لغة العمل من اجله ، فصرنا لا نتقن إلا فن النقد الجائر للدولة ومؤسساتها وللطبيب والموظف ورجل الامن ولعامل النظافة وللمعلم وللبائع على حد سواء ، ونهمل ذواتنا التي استطابت الركون واعتادت رمي المخلفات كجزء من ثقافة وطنية خاطئة ، فلن ننسى ان الاردن كان يبتسم كلما مر شاب بلافتة تبحث عنه في أحد المسيرات ، كما كان يبتسم أكثر كلما مر شاب وبيده مكنسة لينظف الحي ويعاون عمال النظافة ، أو يأخذ زرعة فيغرسها في صدر الشارع لترسم ابتسامة حقيقية للوطن ، أو يبسم لطفل ألقى كيس حلواه ثم يرفعها أمامه ليتعلم أين مكان المخلفات بالضبط ، او رجل دفاع مدني يضحي بحياته من اجل انقاذ ارواح بريئة ، او رجل أمن يسهر الليالي من اجل ان ننام بأمن وامان تلك الأكف الفتية استطاعت أن تتحدث اللغات التي يحبها-حقاً- الاردن .
وأخيراً فكلما انهمك وزراؤنا ونوّابنا في ارهاصات جوفاء كلما ازدادت الهوة بينهم وبين الوطن والمواطن اتساعاً مرعباً لن تستطيع كل الشعارات الهزيلة ردمها وترقيع ما ينتج عنها من شتات ونكال ، فما نحتاجه منهم جميعا ضميرٍ حيّ يتجاوزون به مماحكاتهم ، وينزلون قليلاً عن خيلاء أوهامهم ، يرضخون لواقع الاردن الذي جاءوا منه ، ويتنازلون عن حكاياتهم اللامنتهيه لأجل وطنٍ هو الأحقّ بالعطاء والإكرام جزاء صبره وتحمّله كافة الصِعاب.
ودمتم والاردن سالمين