بماذا خرج بوتين من الخليج؟
د.حسام العتوم
19-10-2019 10:06 AM
بعد زيارة رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير بوتين للامارات بتاريخ 15 تشرين اول الجاري، وبعد زيارته للسعودية قبلها بيوم واحد، بماذا خرج بوتين من زيارته الرسمية للخليج، وليس كل الخليج بطبيعة الحال؟
وبوتين بالمناسبة رجل معلومات دقيقة، واستخبار، وزعيم، واكثر من مجرد رئيس، وهو شخصية روسية قيادية نادرة اكتشفتها روسيا مبكراً حتى قبل صعودة لسدة الحكم في قصر الكرملين الرئاسي وحافظت عليها، ولم تختلف شخصيته قبل وبعد، وهو لا يقبل بغير الواقع والحقيقة والمعلومة الصادقة. ومن خلف نظارته السوداء، ومن داخل سيارته الرئاسية (اروس) الفارهة الشبيهة بـ اللموزين، ومن (الكرملين) ايضاً يرى، ويستطيع معرفة الكثير.
وهنا في الامارات، وفي السعودية ايضا وسط العرب شاهد قبل كل شيء تلاشي الفوبيا الروسيا التي قابلت الاسلام فوبيا في بلاده، ومصطلح الفوبيا سواء بالنسبة لروسيا او لبلادنا الاسلامية تعني الخوف غير المبرر، ومن السهل بالنسبة لبوتين وللقيادة الروسية تدقيق النظر في كلتا الحالتين (الروسية)، و (الاسلامية). ولقاء جلالة الملك (عبدالله الثاني حفظه الله) بالرئيس بوتين مؤخراً، وبالقيادة الروسية في مدينة سوتشي البحرية بتاريخ 3/10/2019 أوضح خطورة (الاسلام فوبيا)، وأضيف انا هنا شخصياً بأن رسالة الاسلام تنبع من رسالة (القرآن الكريم)، وكان لرسالة (عمّان) التي اطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني عام 2004 الاثر الكبير في توضيح رسالة الاسلام السمحة الداعية للمحبة والسلام، وإلى الوسطية والاعتدال.
ومع هذا وذاك تأثر شرقنا العربي سلباً وكثيراً بماكنة الاعلام الغربية وخاصة الامريكية منها، ولدرجة اختلطت فيها صورة روسيا الحقيقية، وصورة الاسلام الواقعية أيضاً، وغابت روسيا عن مشهد المسرح العربي السياسي، وتأثر الشارع العربي بالدعاية السلبية ضد روسيا، ووصل النخر لصفوف المثقفين، وأهل السياسة ايضاً، وتشوهت صورة الاسلام وسط شعوب الاديان الأخرى في المقابل، لكن الحقيقة يصعب تغطيتها بغربال وان طال الزمن ولا يصح إلا الصحيح.
وروسيا المعاصرة صاحبة حضارة عريقة ومستقبل، واتزان سياسي، والعالم الاسلامي ينبذ العنف والحروب، والاقتتال، ويطالب بدحر الاحتلال، وبترسيخ السلام.
وحري بي هنا أن اجري مقارنة سريعة بين زيارة رئيس الولايات المتحدة الامريكية رونالد ترمب للسعودية وسط الخليج عام 2017، وتوقيع اتفاقيات بقيمة 400 مليار دولار، منها 110 مليار دولار لاغراض دفاعية، وهو الأمر الذي زعزع استقرار الخليج وقتها، وأحدث امراً سلبياً في السياسة الخليجية قادت تبعاتها إلى نزاعات، واعلنت حينها روسيا عن رغبتها بالوساطة السياسية لنزع فتيل الأزمة، وبين اي من زيارات الرئيس بوتين للخليج، ولبلاد العرب، والتي هي مرحب بها على مستوى الترحيب بالزيارات الامريكية الرسمية، وهذا يعني لي قبل غيري بأن العالم لم يعد قطباً واحداً بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وإنما متعدد الاقطاب، ومتوازن، ويعترف بحق كل قطب عالمي بالسيادة والاستقلال.
ولقد شاهد بوتين ثراء الخليج الفاحش عبر القصور الفارهة، وهو امر ليس غريباً عليه، وهو القادم من قصر الكرملين المدهش في موسكو، وفي الخلف قصور ومدينة (سانت بيتر بورغ) التاريخية العملاقة، والمدهشة، وتعرف عن قرب على الكرم العربي الاصيل، ولروسيا طريقتها في تبيان كرمها، وتم تبادل الهدايا رفيعة المستوى على مستوى القيادة، وهو امر مشروع، وجميل، ومرطب للعلاقات الثنائية، والشخصية القيادية.
وتوقيع سعودي روسي لـ 20 اتفاقية كان عنوانها بقاء البترول عنصراً جوهرياُ في تنمية اقتصاد العالم، وتصريح لبوتين بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن "المملكة" تعتبر واحدة من الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لروسيا، وبأن المجلس الاقتصادي الروسي السعودي منصة للحوار المباشر، وقفزة نوعية بين الامارات وروسيا في مجال الفضاء تحقق أهداف الامارات عام 2071 المهتمة بعلوم المستقبل، وتوقيع لاتفاقات استثمارية روسية اماراتية بقيمة 103 مليار دولار، وعلاقات راسخة واستراتيجية بين البلدين الصديقين روسيا والامارات، عززها الرئيسان بوتين والشيخ محمد بن زايد ولي العهد.
وفي المقابل يعلم بوتين بأن العرب اقطار ولم يصلوا لوحدتهم العربية بعد، وبأن التعاون العربي – العربي موجود وملاحظ ومساعدة اللاجئين السوريين ودولنا العربية المحتاجة خير دليل. وتقرير للبنك الدولي لعام 2018 يفيد بوجود 12.8 مليون انسان فقير في اليمن، وفي غزة يصل الفقر غلى 29.2%، وفي مصر 27.8%ـ وفي العراق 18.9% ، وفي تونس 15.2% ، وفي المغرب 4.8%، وفي الأردن 15.7%، وهكذا دواليك، وتبلغ نسبة البطالة في العالم العربي 9.8%. ويعاني الوطن من شح المياه العذبة التي تصل إلى 1% فقط. وتقرير لمنظمة الصحة العالمية يتحدث عن تهديد تلوث المياه لثلاث دول عربية مثل لبنان، ومصر، والعراق. وفي الختام اتمنى للعلاقات العربية الروسية الازدهار وكذلك على مستوى العالم.