أن تقوم الملكة بكتابة مقال أو رسالة تتحدث فيها إلى الأردنيين وتناقش الأقاويل والاتهامات والأحاديث التي تخصها فهذه خطوة سياسية مختلفة كما أشارت الملكة من حيث الفكرة والمردود السياسي، لكنها خطوة مختلفة تجعلنا نفتح بابا واسعا أمام الدولة الأردنية ومفاصلها الدائمة بأن تقف بعمق أمام الأسئلة الكبرى التي يحملها الأردنيون الذين كانوا دائما بالنسبة للدولة السلاح الأقوى في وجه كل المحاولات التي أرادت أن تغير وجه الأردن من حيث هوية النظام السياسي او المجتمع والمؤسسات، وهم الذين كانوا ومازالوا من تستند عليهم الدولة في كل حروبها ضد الفوضى والإرهاب.
نحن في محصلة مراحل أنتجت تغيرات هامه في بنية الأردنيين، وأنتجت داخلهم مجموعة كبرى من الأسئلة التي لا يجوز للدولة أن تغمض أعينها عنها، أسئلة لا تمس حرص الأردني على دولته أو تمسكه بمؤسسة الحكم أو استعداده ليكون شهيدا أو حتى مدافعا عن دولته على مواقع التواصل.
أسئلة صنعتها مراحل وسياسات أزالت بعض الحواجز في أذهان البعض بين الحكومات والدولة، لأن استمرار سياسات وأشخاص في المواقع التنفيذية فترات طويلة جعل البعض يعتقد أن هؤلاء هم الدولة وهم من يوجه الأمور.
ومن يعرف الأردن يعرف أن العصب الحساس لأهله هو الحفاظ على دولتهم أردنية، وأي مسار أو تفاصيل تؤثر سلبا على هذا الأمر تصنع لديهم قلقا وتوترا إيجابيا، وهو أمر ليس إقليمي بل هو موجه أولا للكيان الصهيوني الخطر الأكبر على الأردنيين والفلسطينيين.
والأردنيون تغيروا تحت ضغط التغيرات الاقتصادية، ليس لأننا كنا شعبا ثريا ومترفا، بل لأن الأردني يشعر أن مرور الأيام لا يحمل حلولا جذرية، وهناك رابط كبير في أذهان الناس بين المشكلة الاقتصادية والفساد.
الأردني الذي قد تقابله في الشارع او المخبز تسمع منه عبارة "البلد ما عادت إلنا" وهي عبارة لا تحمل موقفا عدائيا تجاه أي عربي على الأرض الأردنية بل تعبير عن "غربه وطنيه " حيث لا يجد لابنه وظيفة، وحتى سياسيا فإنه يجد نسبة ممن يتولون المسؤوليات التنفيذية ليسوا إنتاج السياق السياسي ولا الاجتماعي ولا الاقتصادي الأردني، حيث يظهرون فجأة ويمارسون سياسات يتم تسويقها على أنها بوابة الإنقاذ، وبعد ذلك يخرجون من مواقعهم تاركين فشلهم عبئا على الناس.
الأردنييون تغيروا، وأسئلتهم الكبرى تتغير وتزداد، وهم الكتلة الاجتماعية الأهم باعتبارهم الطبقه الوسطى والفقيرة، ولم يعد التعامل السطحي أو عمليات إطفاء الحرائق قادرة على تقديم إجابات شافية للناس، وبخاصة عندما يتولى التعامل مع الناس أشخاصا تنفيذين إما قليلي الخبرة أو متخمين بالرعب من الناس.
تحتاج الدولة ان تقترب اكثر واكثر من الأردنيين، وأن تتعامل مع أسئلتهم العميقة، ليس بالضرورة بإجابات نظرية بل بسياسات وقرارات، وأن تكون النخبة السياسية التي تقود الدوله قادرة على فهم الناس ومقنعة لهم في أدائها ونزاهتها وتاريخها.
الأردنيون لديهم اسئلة وطموحات ومخاوف وقلق سياسي واقتصادي، وإعادة بناء علاقات الأردني مع الدولة مهمة صعبة لكنها أولوية، بل أولوية كبرى، فهذا البناء فيها يتداخل مع مشكلتنا الاقتصادية والسياسية والإدارية، المهم أن يكون هناك قناعة بأن تغيرات هامة طرأت على أهم البنى الاجتماعيه والوطنية، تغييرات لا يجوز أن نتركها دون تعامل عميق وحقيقي وليس كما نتعامل مع بعض الملفات الأخرى.