في تونس، تعميق لمفهوم الدولة المدنية وحكم المؤسسات، وهذا لا يعني استبعاد الجيش والأجهزة الأمنية، بل إعادة تموضعها في مهماتها الأساسية، حفظ الأمن الداخلي وحماية الحدود، وهو رد فعل على هيمنة الأحهزة الأمنية طيلة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
في لبنان، حيث ساد الإعتقاد بأن هذا البلد هو مدني بإمتياز، تتفتق الجروح عن وجه بشع هو الحكم الطائفي الذي تقاسم كل شيء، البرلمان والحكومة والثروات والمكاسب، فكان الفساد عنوان الأزمة الأبرز، وإذا بالناس هناك يطالبون بحكم الجيش، والسبب هو الغياب الكامل للمفهوم الحقيقي لمدنية الدولة وتبعية المؤسسات للطوائف.
كل هذا مفهوم، لكن هذه النماذج لا تعني أن تغيب الأنظار عن إحال الديمقراطية الحقيقية, في مكان كل أشكال وأساليب الحكم، وهذا لا يعني أن البلدان العربية غير قادرة على الوصول للتطبيق الصحيح لمفهوم مدنية الدولة, بمعنى حكم القانون وأذرعه مؤسسات مستقلة منتخبة تتداول السلطة.
في الأردن, نصوص وروح الدستور تشير إلى دولة مدنية، بمعنى أنها دولة مواطنيها على اختلاف الدين أو الجنس أو أية اعتبارات أخرى بل حقوق وواجبات متساوية أمام القانون ولعل الميزة الأهم أن الأردن لم يكن ولن يكون يوما من الأيام طائفيا ولا عرقيا لا بمواطنيه ولا حتى بضيوفه من المقيمين الذي تناغموا تماما مع صفته الاجتماعية.
الدولة المدنية شعار صعد في فترة قبل أن يخبو وقد جاءت الورقة النقاشية السادسة التي نشرها جلالة الملك لتعطي شعار الدولة المدنية دفعة قوية أعادت صياغة المفهوم وتوصيفه بما يلائم الحالة الأردنية وهي مدنية أصلاً.
في الأردن كانت هناك حكمة أسس لها المغفور له الملك الحسين بن طلال ووطد لها جلالة الملك عبدالله الثاني وهي فصل الجيش عن النشاط السياسي فالجيش الأردني جيش محترف لم يتدخل في السياسة وبقي قوة تحوز إجماعاً شعبياً لحماية أمن البلد الخارجي والداخلي وهو حامي الدستور..
لم يتورط الجيش في الاقتصاد كما قد يعتقد البعض مع أن هذا لا يعيبه ولا يزيح نظره عن مهماته الرئيسية فمن يقرر سياسة الدولة الإقتصادية هي الحكومة لكن دور الجيش الإنمائي مطلوب ومساهماته في الاقتصاد محدودة ويجب أن تبقى في حدود غرضها وهو الوصول الى التمويل الذاتي والتخفيف عن الخزينة وخدمة منتسبيه.
غريب أن يطالب اللبنانيون بحكم الجيش, ما يعني التنازل طواعية عن مكتسبات مدنية تحققت وإن كانت شكلاً على مدى عمر الدولة, التي لم يتسلم العسكر فيها الحكم حتى في ظل حروب أهلية طاحنة.
qadmaniisam@yahoo.com
الرأي