للطبيعة فلسفة بريئة في استعادة ذاكرتها من الأرصفة المنهوبة، في هذا المساء تبدو السماء حذرة مشوبة وقد استعدت وأعدت البعض القليل من أدوات بوحها النبيل. إنه المطر ديدبان الذاكرة العامرة بالقسوة، فتراه يسقط تباعا في محاولة بريئة وجريئة لاستعادة ما سقط منا نحن المارة في الطريق إلى ما لسنا نعرف، فتراه ينجح في أحيان قليلة ويكبو في مواضع أخرى كثيرة.
لم أكن أعلم قبل الآن بأن للنوافذ رائحة، إنها تشبه المثول أما حقيقة ما مجافية تترفع عن الحديث فيما قد يقلل من شأنها. أنا لا أقلل من قيمة البرتقال عندما أختار عن طيب قصد أن لا أجرحه وقد فشلت فشلا ذريعا في أن أحرسه.
-إياك والحديث عن جدوى الحديد وأنت لا تملك مسوغا واحدا يعلي من قيمة البعيد-.
للنوافذ كما الأخيلة فلسفة جميلة في استعادة ذاكرتها من الأرصفة المسروقة، فتراها تترك من خلفها وعن طيب خاطر بعض مما ترك الوالدين، حفنة من تراب وباب، يكفيان حتى الآن لكي أقرأ واقفا سيرة الأمس المحتفظ قسرا بتآويل مفردات كنهه الأولى، الأمس الغير قادر على تدبر البعض الكثير من شؤون بيته المنزلية وحيدا.
للشوارع فلسفة حصيفة بسيطة في استعادة أسمائها من الأقبية المنهوبة. في هذا المساء تبدو السماء رمادية مترددة في طريقها صوب المنازل والمعامل وقد استعادت بعض من أدوات بوحها القتيل، فتراها تترك وعن طيب خاطر غيمة عند كل نافذة وباب، قد تتلكأ في أحيان كثيرة فهي لديها دائما ما يشغلها ولكنها لا تنسى بأن تعود، غالبا ما تعود كخاطرة أو كأغنية مهاجرة.
هذا هو الحنين، حنين التخلص من الزوائد المعيقة من أجل اندفاع التجربة صوب ما بات يصفها ويحضنها، إنها الصدارة، واحدة من تجليات إفراد الوقت المتأتى بتتبع الإشارة الحانية وذلك لنأي بالذاكرة عما سواها، شيء يشبه المثول أمام مسوغات نفيها وأنت لا تملك حتى الآن واحدة من متطلبات إفرادها،
-إياك والمساس بأغنيات الأمس البعيد وأنت لا تملك مسوغا واحدا يعلي من قيمة النشيد -.
إنه الحنين، صراع الذات مع الذات على قطعة من مطر وذاكرة، إنه جرأة الوقوف بالنافذة الساقطة هكذا عاريا من خطاب السلطة الطارئة.