توصية حول مأسسة الاوراق النقاشية؟
د.بكر خازر المجالي
16-10-2019 04:05 PM
بعد صدور الورقة النقاشية الاولى لجلالة الملك عبدالله الثاني في 29 كانون الاول عام 2012 ‘صدرت اوراق اربعة متتابعة وخلال سنة واحدة ربما بسبب ما تشهده الساحة العربية من حراك تحت اسم الربيع العربي ،والحاجة لتنشيط الجبهة الداخلية باسلوب الحوار واستخدام الروية والتعقل والتفكير قبل اتخاذ اي قرار حماسي عاطفي.
ثم توالى بعدها وفي فترات متباعدة صدور الاوراق من الخامسة الى السابعة ، تركزت مواضيع الاوراق النقاشية على ترسيخ الفكر الديمقراطي الذي ينتج الحوار الداخلي الهادف ،ويعطي فرصة متوازنة في الاشتراك في صنع القرار، ولكن نلاحظ التباين الزمني بينها، فالفرق بين الورقة الاولى والثانية كان 18 يوما فقط، وما بين الثانية والثالثة 45 يوما، وما بين الثالثة والرابعة 90 يوما، اما الفرق بين الرابعة والخامسة فكان 90 يوما، ولكن االفرق بين الخامسة والسادسة 23 شهرا وما بين السادسة والسابعة ايضا 23 شهرا، مع خلو عامي 2018 و2019 من اوراق نقاشية جديدة، ومن المفترض ان تكون هناك ورقة اشار اليها جلالة الملك في نهاية الورقة النقاشية الخامسة بتاريخ 13 تشرين الثاني 2014 عن الموضوع الاقتصادي ولكن تسارع الاحداث السياسية وما تشهده الساحة العربية احدث تحويلا في العنوان، وأقتبس هنا قول جلالته عن مشروع هذه الورقة:
"كما كرّست المجموعة الأولى من أوراقي النقاشية للمساهمة في النقاش الوطني حول طبيعة النظام السياسي الذي يجب أن نطوره لمستقبل الأردن، فإنني سأكرس الورقة النقاشية القادمة لمناقشة الفرص المتأتية من بناء نموذج اقتصادي جديد ومستدام يسعى لتحسين مستوى معيشة أبناء وبنات الوطن، في ضوء التصور المستقبلي للاقتصاد الوطني للسنوات العشرة القادمة الذي وجهت الحكومة لإعداده. وعليه، فإن الرؤية الاقتصادية والاجتماعية التي يحتاجها الأردن ستكون المحور الرئيسي للأوراق النقاشية القادمة التي أعتزم المساهمة بها قريبا في النقاشات الوطنية."
احدثت الاوراق النقاشية حالة فكرية من النقاش وتبادل الرأي، وجسرت فجوة ثقافية بسبب الانشغال للفكر الاردني ووجهة عينيه وتفكيره للساحة الخارجية على حساب الوضع الداخلي، وكان المنهج الديمقراطي وتجذيره هو اول الاساليب التي تجعل الاردنيين في صف الوطن بحسن اتخاذ القرار، وبفضيلة التعبير عن الرأي الحر الهادف ومن ثم كان الحديث عن سيادة القانون ومن بعد عن اهمية التعليم،
قلما نجد او حتى اننا لم نلاحظ مثل هذا الطرح من قبل قائد في الساحة العربية خصوصا، ويرجعنا الحديث الى رسائل اخوان الصفا قبل عشرة قرون (في القرن الثالث الهجري) التي كانت 52 رسالة جمعت في مجلد حمل اسم "تحف اخوان الصفا" واستندت الى مبدأ "التضافر للسعي الى سعادة النفس، عن طريق العلوم التي تطهر النفس" وشكلت موسوعة علمية فكرية فلسفية سعت الى التقريب ما بين الفلسفة والدين، وربما هنا في قراءة الاوراق النقاشية باضافة رسالة عمان ومبادرة كلمة سواء ومبادرة اسبوع الوئام بين الاديان ان نصل الى مقاربة في المنهج والفكر باختلاف الموضوع لاختلاف الزمان ونوع التحديات والتركيب الاجتماعي حينها.
ومن هنا فان اهمية الاوراق النقاشية وحتى باضافة الخطاب السامي لجلالته واحاديثه مع فئات المجتمع المختلفة تضعنا على طريق استخدام الفكر في التطوير المجتمعي وتوجيه الطاقات الايجابية للبناء في مناحي السياسة والاقتصاد والثقافة والتكوين الاجتماعي،
ان استخدام المنطق - ولا اقصد المنطق عند ابن رشد - ، واعتماد منهج الاستقصاء والتحليل، وادراك منابع التحديات قبل الاستعداد لمواجهتها هذه تجعلنا في موقف قوي محصن ضد الاختلالات التي يرددها البعض من باب الضعف والاستسلام سلفا لها، وهنا يأتي دور تطوير الفكر والمنهج في بناء القوة الذاتية وزيادة الثقة بالنفس وتعظيم الايجابيات.
وخلال الفترة ما بعد الورقة النقاشية السابعة التي وصلت الى 23 شهرا فان احداثا عديدة سادت واحدثت اثرا، فقد كثرت الاشاعات وحدثت امور داخلية وازداد حجم ملف الفساد، وكثرت منابر الهجوم على الاردن الخارجية، هذه المنابر اضحت تحقق اختراقا في صفوفنا وتحقق نسبة مشاهدة عالية جدا، كل هذا وغيره يستوجب ان يكون لدينا ما هو مكتوب للنقاش والتداول كمرجعية مناسبة تحدد اطار البحث والتعامل مع المستجدات، ومن هنا تأتي التوصية في ان يكون اصدار الاوراق النقاشية مؤسسيا في فترات زمنية محسوبة وبمعدل ورقتين نقاشتين سنويا على الاقل وفق المستجدات، خاصة ان الورقة النقاشية تكون كورقة عمل في اللقاءات والندوات والمؤتمرات ويشتق منها عناوين متعددة لاوراق عمل اخرى، وترتكز على قيم ومبادئ تتجه الى ايجاد صيغة توافقية اجتماعية سياسية تكون مرجعية وطنية طالما كل المبادرات السابقة من الاردن اولا الى كلنا الاردن الى الميثاق الوطني؟ وغيرها لا نعرف اين هي الان؟.
والحاجة فعلا الى بناء عقيدة وطنية راسخة تجذر مفاهيم الهوية والمواطنة وتحقق مفهوم الصلابة الاجتماعية، والارتقاء الى مستوى المسؤولية الواعية في النهوض المجتمعي.