تنبهوا واستفيقوا أيها العرب
د. مروان المعشر
16-10-2019 12:15 AM
لسبع سنوات متواصلة، كانت الغد بيتي الفكري، فيها تعود قلمي على الكتابة عن هموم الوطن، الذي اعشق كما يعشقه كل ابناء و بنات هذا البلد الحبيب.
و منذ تغير إدارة التحرير في الجريدة العام الماضي، ازدادت وتيرة منع مقالاتي بشكل لم يعد مفهوما لدي، حتى لم يعد مقبولا لدي الاستمرار في الجريدة التي احب. تزاملت مع ناشر الجريدة الأستاذ محمد عليان في لجنة الأجندة الوطنية، يوم كانت الأحلام كبيرة و الأغاني ممكنة، و لا يسعني الا ان أتقدم منه بجزيل الشكر للفرصة التي اتاحها لي لكتابة عمودي الأسبوعي. اما معالي السيدة جمانة غنيمات فادين لها بالكثير، لان سقفها كان عاليا يوم كانت رئيسة للتحرير، و لانها كانت واعية بعمق لاهمية حرية التعبير حتى و ان لم تتفق معي دائما في الرأي.
احزن على من يعتقد انه يمكن للكلمة ان تكتم في عصر وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد انها لم تظهر في صحيفة ورقية. و أقول لكل من يحاول ذلك: حظا سعيدا.
مقالي الذي تم منعه من النشر:
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب
ماذا يحدث في الوطن العربي من احتجاجات شعبية واسعة النطاق في العراق ولبنان ومصر والجزائر والسودان ان لم يكن موجة ثانية مما اسماه الغرب الربيع العربي واسميته اليقظة العربية الثانية؟ أثنتا عشر من اصل اثنتين وعشرين دولة عربية قد شهدت أو تشهد ثورات واسعة منذ العام ٢٠١١. ولكن الموجة الأولى انتهت في غالبيتها بقلائل واضطرابات وحروب أهلية ما سمح للقوى القائمة في الوطن العربي بمخاطبة، أو تهديد، شعوبها بان عليهم القبول بهذه القوى لان البديل هو الفوضى.
هكذا، وبدون الالتفات الى المشاكل التي تتعرض لها مناطق واسعة من العالم العربي، ودون الاعتراف ان غياب الحاكمية الرشيدة السياسية والاقتصادية هو ما ادى الى الاحتجاجات الشعبية، بشرتنا قوى الوضع القائم ان الربيع العربي تم تجاوزه، وان المؤامرة الخارجية (دائما هناك مؤامرة خارجية) قد تم دحرها، وان المسيرة مستمرة، رغم كل إخفاقاتها التي باتت واضحة وضوح الشمس، وان ليس بالإمكان احسن مما كان وسيكون.
نجح الخوف من الفوضى في اسكات الناس مرحليا، ولكنه لم ينجح في حل مشاكلهم، وها هم ينزلون الى الشارع في دول لم تشهد احتجاجات واسعة في الموجة الأولى من اليقظة العربية. فهل يقال لنا مرة اخرى ان هذه الموجة هي الأخرى مؤامرة خارجية؟ متى نتوقف يوما لنتحمل المسؤولية أنفسنا وندرك ان العالم العربي لا يستطيع بعد اليوم ان يتجاهل الاهتمام بالحاكمية، ولا يستطيع إدامة نظام ريعي انتهى الى غير رجعة، كما لا يستطيع اسكات الناس بالقوة. تكمن في غياب الحاكمية و المؤسسات و سيادة القانون والعدالة الاجتماعية أسباب مشاكلنا، ولا زلنا نرفض الاعتراف ان ادارة الموارد و المؤسسات تتطلب حكما تغييرا جذريا في النهج، بعيدا عن الريعية و الأمن الخشن و نحو اعلاء قيم الإنتاجية و احترام التعددية و المواطنة المتساوية.
و للأسف، فقد أصبحت المطالبة بهذه القيم في الأردن تهمة لدى البعض أسموها " التيار المدني"، لان دعاة التيار السلطوي المصلحي يريدون المحافظة على مصالحهم على حساب الوطن، و لان سيادة القانون على الجميع و بناء دولة المؤسسات من شأنها تهديد هذه المصالح.
وحدها تونس تواصل إعطاءنا الدروس، و لا تجير أصواتها لاحد، و تقلب الموازين عن طريق صندوق الاقتراع، و يتم تداول السلطة فيها سلميا بين الإسلاميين و الليبراليين و اليساريين و المحافظين و شتى الأطياف السياسية وفقا لادائها على الأرض في درس ديمقراطي بالغ الأهمية، و لكن احدا من الأنظمة العربية لا يريد ان يسمع.
لا زال التشبث بالوسائل القديمة و بالسلطوية سمة متفشية في العالم العربي رغم كل الشواخص التي تثبت فشلها، و رغم الاخفاق تلو الإخفاق. و لا زالت الوطنية لدى هذه الأنظمة تعرف بمدى تملق صاحبها للسلطة، اما النصح الصادق فخيانة! و لكن الشمس لا تغطى بغربال. و عاجلا ام آجلا لا بد من مواجهة الحقيقة الساطعة و هي اننا بحاجة الى أدوات جديدة ضمن إطار جديد قوامه الحاكمية الرشيدة و الالتفات الى معالجة القضايا الاقتصادية و الاجتماعية وفق منظور الكفاءة و العدالة الاجتماعية. هذا ما سيحفظ الاستقرار و ليس التشبث بمقولة الأمن و الأمان التي ما عادت وحدها تصلح لعالم اليوم كما ترينا كل الدول من حولنا.
حين اطلق النهضوي العربي إبراهيم اليازجي قصيدته المشهورة، "تنبهوا و استفيقوا أيها العرب، فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب"، كان يرمي صرخة استغاثة لاستنهاض الشعوب العربية. اما اليوم فهذه الصرخة موجهة للأنظمة العربية لتغيير نهجها بعد ان استفاقت شعوبها و لم تعد ترضى بما رضي به آباؤها و أجدادها.