ما هي أهم خمسة مشاريع رأسمالية حكومية؟
د. سامر إبراهيم المفلح
15-10-2019 09:30 PM
أصدرت الحكومة مؤخرًا بلاغ الموازنة العامة للعام 2020 والذي يأتي في ظروف اقتصادية تفرض تحديات رئيسة كتفاقم المديوينة، والعجز المزمن، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، مع تحقيق نسب نمو اقتصادي متواضعة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وقد أشار بلاغ الموازنة إلى ضرورة مراعاة محدودية الموارد المتاحة، وسياسة الحكومة المتبناة في ضبط وترشيد الإنفاق العام.
ويعتبر الإنفاق الرأسمالي التنموي من أهم أدوات السياسة المالية لتحفيز الاقتصاد لتعويض الانخفاض الحاصل على الطلب الإجمالي والاستثمارات الخاصة، ويسهم كذلك في التقليل من أثر البطالة، كما أن للمشاريع الرأسمالية الحكومية تأثيرًا مضاعفًا "Government Spending Multiplier" يؤدي إلى ضخ الأموال في الدورة الاقتصادية وينعكس إيجابًا على الناتج المحلي الإجمالي.
وفي ضوء التحديات القائمة وضرورة بدء وتنفيذ مشاريع التنمية الشمولية ومع محدودية الموارد المالية المتاحة لدى الحكومة لتنفيذ هذه المشاريع، تبرز الحاجة إلى نهج تشاركي جديد يخفف من الأعباء المالية على الحكومة، ويوجه مصادر تمويل مختلفة لتنفيذ هذه المشاريع الملحة.
ولعل التوسع في الشراكات ما بين القطاع العام والخاص هو من الأدوات الفاعلة لتوفير التمويل المناسب للمشاريع التنموية، كما أن المشاريع التي تنفذ على نظام "البناء والتشغيل ونقل الملكية BOT - " أو "التشييد والتشغيل ونقل الملكية" هي إحدى الحلول العملية، وفي هذه الحالة فإنه من الأساسي أن تثبت الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع حتى يهتم المستثمر الشريك فيها.
وفي العديد من الحالات لا تكون المشاريع التنموية ذات جدوى اقتصادية خصوصًا إذا كانت المشاريع مرتبطة بالبنية التحتية أو الخدمات الاجتماعية، وهو ما قد يوصف اقتصاديًا بشكل من أشكال فشل السوق "Market Failure"، لهذا السبب تقوم الحكومات بالتدخل للتصحيح من خلال تحفيز أو تمويل الاستثمار جزئيًا في البنية التحتية.
وعليه فإن التوجه نحو الشراكات مع القطاع الخاص أو نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية "BOT" يجب أن يكون بمنهجية مدروسة تتناسب مع الجدوى الاقتصادية للمشروع والهدف من الشراكة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص، فهناك مشاريع يكون التصميم والتنفيذ والتمويل من خلال القطاع الخاص، ويتولى القطاع العام سداد قيمة تنفيذ هذه المشاريع على سنوات طويلة كمشاريع بناء المدارس والمستشفيات في بعض الدول، حيث إن الغاية الأساسية من هذه الشراكة هي توفير التمويل الأنسب لتنفيذ المشروع.
في حالات أخرى من المشاريع قد يكون هناك جدوى اقتصادية من تنفيذ وتشغيل المشروع على سنوات طويلة مما يُقنع المستثمر الأجنبي بالاستثمار، ومن الأمثلة على ذلك المشاريع المتعلقة بقطاع النقل كالمطارات والطرق برسم مرور "Toll Roads" والتي تنفذ تحت مفهوم نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية "BOT"، وأحيانًا يتم منح عدد من الامتيازات للمستثمرين من أجل تقليل مخاطر الاستثمار وزيادة جدواه.
مشاريع أخرى قد لا تحقق الجدوى المطلوبة من الناحية الاستثمارية ولكنها مهمة جدًا من النواحي التنموية، وهنا تقوم بعض الحكومات بتوفير الحد الأدنى من الضمانات أو العوائد والمشتريات من أجل جعل المشروع مجديًا من الناحية الاقتصادية، وهو ما تتبعه بعض الدول في مشاريع مثل الطاقة المتجددة وتوليد الكهرباء أو تحلية المياه، إذ تقوم الشركات بالاستثمار في إنشاء محطات توليد الكهرباء وتقوم الحكومات بشراء الإنتاج بسعر محدد ويمكن للحكومة أن تقوم ببيعه بسعر أعلى للمستهلكين.
بلاغ الموازنة للعام 2020 أورد أهمية تنفيذ المشاريع الرأسمالية التنموية من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص مع ضرورة الإسراع في إنجاز دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع المقترحة، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن بعض المشاريع التنموية قد لا تحقق الجدوى المطلوبة، ومشاريع أخرى قد تحقق الجدوى الاقتصادية في حال تعديل بعض التشريعات ومنح الامتيازات، ونوع آخر من المشاريع قد يصبح مجديًا في حال التزام الحكومة بتأمين جزء من المشتريات أو توفير الضمانات.
بالعادة فإن المشاريع التنموية الاستراتيجية قد تتطلب أكثر من جهة حكومية أن تشارك في التخطيط والتنفيذ لها، وهو ما قد يستوجب إعادة النظر في النهج المتبع لتحديد واختيار المشاريع الاستراتيجية التنموية وجدواها من جانب، وكيفية جعلها مجدية إذا أعطت الحكومة الضمانات أو الامتيازات لها من جانب آخر.
ويمكن العمل على تطوير النهج المتبع في وضع الموازنة العامة، فبالإضافة إلى المشاريع الواردة من مختلف الجهات الحكومية، أن يتم بالتوازي مع هذا الجهد عقد نقاشات لتحديد 5 إلى 10 مشاريع ذي أولوية تنموية من خلال مجلس الوزراء ودراسة جدواها الاقتصادية وإمكانية تنفيذها بالشراكة مع القطاع الخاص والمتطلبات التشريعية والإجرائية والمالية لجعلها ذا جدوى اقتصادية في بعض الأحيان، وليتم أيضًا توجيه المساعدات الدولية والصناديق الاستثمارية للمشاركة فيها بعد التأكد من أنها قد أصبحت مجدية من الناحية الاقتصادية.
لتكون هذه المشاريع الرأسمالية الاستراتيجية بعد إقرارها معلنة ومتوافق عليها شعبيًا تعمل الحكومات المتعاقبة على تنفيذها من خلال مراحل زمنية ومخرجات محددة، وليشكل التقدم في إنجاز هذه المشاريع مرجعية لقياس الأداء الحكومي نحو تحقيق النمو الاقتصادي الشامل المستدام والذي سينعكس أثره على المواطنين.