تركيا وحربها على الاكراد .. الخلفيات والأهداف
اللواء المتقاعد مروان العمد
15-10-2019 04:21 PM
بداية وقبل ان أتناول ما يجري في أقصى الشمال السوري والهجوم الذي قامت به القوات التركية وحلفائها من تنظيمات المعارضة السورية على قوات سورية الديمقراطية بحجة القضاء على الإرهابيين الأكراد هناك او بحجة إقامة منطقة آمنة فيها يتم نقل ملايين السوريين اللآجئين في تركيا اليها ، او بحجة إنقاذ العرب هناك من ارهاب الأكراد فأنني سوف القي نظرة خاطفة على القضية الكردية . ثم سأتحدث عن الدور التركي في احداث سورية ومنهياً بالعملية التركية الحالية في شمال سورية .
يبلغ عدد الأكراد في العالم حالياً حوالي ٣٨ مليون شخص وهم من اكبر القوميات التي لا توجد لها دولة تضمهم بالرغم من انه كانت لهم ممالك في بعض الفترات من التاريخ . ولقد كان من المفروض ان تشكل لهم دولة في مناطق تواجدهم إثر الحرب العالمية الاولى ، ولكن ونتيجة لمؤتمر لوزان واتفاقية سايكس بيكو فقد تم توزعهم على الدول المحيطة بأماكن تواجدهم . وهم ينتشرون بشكل أساسي في اربع مناطق وهي جنوب شرق تركيا حيث يتواجد اكبر عدد من الاكراد في دولة واحدة ويبلغ عددهم فيها حوالي أربعة عشر مليون شخص وبمعدل ٢٠% من سكان تركيا .
وشمال شرق العراق حيث يتمتعون هناك بحكم ذاتي ولا توجد إحصاءات دقيقة لعددهم في العراق وذلك لغياب عمليات الإحصاء فيه ، الا ان المصادر الكردية تقدر عددهم في مناطق الحكم الذاتي بأكثر من خمسة ملايين . وشمال غرب إيران ويقدر عددهم هناك بأكثر من ستة ملايين تقريباً . وشمال شرق سورية ويقدر عددهم هناك بحوالي ثلاثة ملايين في غياب لإحصاء دقيق لهم . بالاضافة الى تواجد لهم في عدة دول أخرى مثل ارمينا وازدبيجان ولبنان وأماكن اخرى مختلفة من العالم . ويطلق الاكراد على مكان تواجدهم اسم كردستان الكبرى .
وقد عانى الأكراد في كل مناطق تواجدهم من التهميش وسوء المعاملة فقد كانوا في تركيا ممنوعين من استعمال لغتهم وممنوعين من استخدام الاسماء ذات الأصول الكردية وحتى ممنوعين من الغناء بأللغة الكردية وقد حصل وعندما كان تورغوت أوزال رئيساً للجمهورية التركية ( وهو من اصول كردية من ناحية والدته التي كانت تغني له الأغاني الكردية في صغره ) وفي حفل اقامه بالقصر الجمهوري بمناسبة زفاف احد ابنائه وكان يحيه مطرب تركي من اصل كردي يدعى ابراهيم تاتليس طلب منه أوزال ان يغني بالكردية فما كان من كل العسكريين المتواجدين جميعهم الا الانسحاب من الحفلة . ولهذا السبب ولكونه رفع الحظر جزئياً عن اللغة الكردية وسمح لهم بإصدار مطبوعات بأللغة الكردية وكان يجرى مباحثات معهم لحل القضية الكردية وكان قاب قوسين وادنى من توقيع اتفاق سلام معهم ، وفي حفل استقبال أقيم في القصر الجمهوري تم دس السم له في كأس عصير مما ادى الى وفاته في اليوم التالي واُعلن ان سبب وفاته إصابته بسكتة قلبية ولقد ثبت مؤخراً وبعد استخراج جثته وإجراء فحوصات عليها انه مات مسموماً.
ونتيجة للظروف التي كان يعيش فيها الاكراد في تركيا ، فقد ظهر تنظيم يدعى حزب للعمال الكردستاني والذي كان يرمز له ب PKK والذي تبنى الفكر الماركسيسي كعقيدة والكفاح المسلح كوسيلة اما الى إقامة دولة تركية مستقلة او على الاقل الحصول على حكم ذاتي للأكراد في مناطقهم . وكان يتزعم هذا الحزب عبدالله اوجلان.
وقد وقعت الكثير من المعارك ما بين اعضاء هذا الحزب والقوات التركية وقد ادى ذلك الى خروج مجموعات من اعضاء هذا الحزب الى منطقة جبال قنديل الوعرة بمنطقة كردستان العراقية وأقام له قواعد فيها ، وكانت القوات التركية كثيراً ما تجتاز الحدود العراقية لتشن غاراتها على قواعد هذا الحزب . ولا زالت المعارك والإشتباكات تقع بين الحين والآخر ما بين الحزب المذكور والقوات التركية . ورغم تخفيف السلطات التركية للقيود المفروضة على الأكراد الا ان حالة العداء بينهم لا زالت مستمرة . وتعتبر الحكومة التركية حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ( HDP ) بأنه يمثل الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني ( PKK ) رغم انه حزب مرخص ويخوض دائما الانتخابات النيابية التركية وله دائماً تمثيلاً في البرلمان التركي يفوق العشرة بالمائة من أعضائه ، و رغم نفي الحزب المذكور لهذه العلاقة . هذا وتُجمع جميع القوى السياسية والحزبية في تاريخ تركيا الحديث على العداء للتحرك الكردي السياسي عدا حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وبعض الأحزاب والتشكيلات التركية اليسارية والكردية الأخرى الصغيرة . حتى ان احد القادة الأتراك ولا اذكر اسمه حالياً قال لو أقام الأكراد دولة لهم في الأرجنتين لذهبنا اليها وحاربناهم فيها وقضينا عليهم .
ولم يكن وضع الاكراد بأفضل من ذلك في ايران ولطالما قاموا بحركات تمرد ولطالما تم قمع حركاتهم هذه ومنها اعلان الاكراد عن قيام جمهورية مهاباد عام ١٩٤٦ اثناء الحرب العالمية الثانية والتي استمرت احد عشر شهراً حيث تم القضاء عليها وإعدام قائدها .
اما في العراق فقد قام الاكراد فيه بعملية تمرد مسلحة بزعامة مصطفى البرزاني والذي حصل على دعم إيراني نكاية في العراق كما حصل على دعم الكيان الصهيوني وكان الطرفان يزودانه بالسلاح والمال والخبرات الى ان تم توقيع اتفاقية لترسيم الحدود ما بين ايران والعراق في الجزائر وذلك عام ١٩٧٥مما ترتب عليها تخلي ايران عن مصطفى البرزاني مقابل حصولها على حقوق في منطقة شط العرب ، وبالتالي انهيار تمرده وهروبه الى خارج العراق . الا ان النزوع الكردي للانفصال او إقامة حكم ذاتي لهم في العراق لم ينتهي وان اتخذ الطابع السلمي الذي انتهى بأعلان السلطات العراقية إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد من طرف واحد في ثلاثة محافظات تقع في اقصى شمال العراق وهي السليمانية ودهوك وأرابيل دون ان تشمل محافظة كركوك الغنية بالنفط والتي يطالب الكرد بضمها الى منطقة حكمهم الذاتي فيما ترفض السلطات العراقية ذلك . وعندما طرح مسعود البرزاني ابن مصطفى البرزاني فكرة عمل استفتاء لأستقلال اقليم كردستان عن العراق ( والذي جرى في ٢٥ أيلول علم ٢٠١٧ ) فقد عارضت ذلك كل من تركيا وايران وسورية بالاضافة للحكومة العراقية . وقد حشدت القوات التركية والإيرانية قواتهما على الحدود استعداداً للتدخل المسلح لمنع إقامة هذه الدولة لما تمثله من خطر عليهما واحتمال ان يقوم أكراد تركيا وإيران بأعلان الإستقلال هم بدورهم .
اما بالنسبة للأكراد في سورية فأنه لا توجد احصائيات دقيقة تبين عددهم الا انه يقدر عددهم بحوالي ثلاثة ملايين ، منهم حوالي المليون لا يحملون الجنسية السورية وتدعي السلطات هناك انهم من الأكراد الأتراك الذين نزحوا الى سورية نتيجة للاشتباكات التي كانت تدور ما بين حزب العمال الكردستاني والقوات التركية . وقد حصلت الكثير من الاحتجاجات في المناطق التي يقيم بها الاكراد في سورية للمطالبة بحقوقهم كما يدعون الا ان السلطات السورية كانت تتصدى لهم بشدة . هذا ويوجد في سورية العديد من الأحزاب الكردية كان اولها هو الحزب الديمقراطي الكردي والذي تأسس عام ١٩٥٧ . الا ان هذا الحزب تعرض للعديد من الانقسامات والانشقاقات وربما ساهم في إيجاد بعضها النظام السوري نفسه حتى بلغ عدد هذه الأحزاب حوالي الثلاثين حزباً وجميعها غير مرخصة .
وفي عام ٢٠٠٣ تم تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي PYD كفرع لحزب العمال الكردستاني PKK الذي سيكون لك شأن في الأحداث التي حدثت في سورية منذ عام ٢٠١١ وحتى الآن بالرغم من نفي حزب الأتحاد الديمقراطي لعلاقته بحزب العمال الاشتراكي مع اقرارهم بزعامة عبدالله أجولان للمكون الكردي .
هذا وكان النظام في سورية قد دخل على خط التصادم ما بين حزب العمال الكردستاني الكردي والحكومة التركية فقدم المأوي والمساعدة لهذا الحزب والذي أقام له بعض القواعد في الاراضي السورية واللبنانية كما استضاف النظام السوري عبدالله اوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني . وقد أدي ذلك للكثير من التوتر ما بين تركيا وسورية وقامت القوات التركية بحشد قواتها على الحدود السورية مهددتاً باقتحامها مما دفع الرئيس حافظ الأسد الى إغلاق جميع قواعد هذا الحزب في سورية ولبنان والطلب من اوجلان مغادرة الاراضي السورية في سبيل نزع فتيل التوتر مع تركيا وكان ذلك في عام ١٩٩٠ . وقد تنقل عبدالله اوجلان بين عدة دول يبحث عن مأوى لم يمنح له ليجد نفسه في النهاية بالسفارة اليونانية في نيروبي حيث تم اعتقاله منها في عملية غامضة اثارت اكراد العالم عليها . حيث تم نقله بواسطة طائرة صغيرة وهو مقيد اليدين والقدمين يحيط به عدداً من الرجال المسلحين ، حيث نقل الى تركيا وتمت محاكمته والحكم عيه بالإعدام الا ان هذا الحكم لم ينفذ لإلغاء عقوبة الإعدام في تركيا وحيث يقبع حتى الآن سجيناً وحيداً في سجن جزيرة أمرالي في بحر مرمرة منذ اعتقاله وحتى عام ٢٠٠٩ حيث تم ضم بعض المساجين الآخرين اليه في هذا السجن .
ورغم زوال حالة التوتر ما بين تركيا وسورية على اثر طرد الأخيرة لأعضاء حزب العمال الكردستاني الا انه بقي لدى تركيا رغبة في الانتقام من النظام السوري لمساندتها لأوجلان وحزبه ، وقد لاحت فرصتها هذه مع بداية إنطلاق الربيع العربي السوري .