دخلت مصر حزام الفقر المائي ،هكذا أعلن رئيس الوزراء المصري الأسبوع الماضي تعليقا على وصول المفاوضات بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة الى طريق مسدود ، ونظريا تدخل الدولة مرحلة الفقر المائي عندما تصل حصة الفرد من المياه سنويا الى اقل من الف متر مكعب ، يحصل الفرد المصري اليوم على 600 متر مكعب .
ويشكل سد النهضة تحديا استراتيجيا لمصر قل نظيره في السنوات الأربعين الماضية ، السد الذي تعمل إثيوبيا على بنائه سيقلص بشكل كبير حصة مصر من مياه نهر النيل الى مستويات غير مسبوقة ، يدور الحديث هنا عن سد مساحته الاجمالية 1800 كيلو متر مربع وهو سد مزدوج يبلغ طول الجزء الخرساني منه 1780 متر بسعة تخزينية 14 مليار متر مكعب بينما يبلغ طول الجزء الركامي المكون من صخور البازلت ومغطى بطبقة أسمنتية رقيقة 4800 متر وله القدرة على احتجاز 60 مليار متر مكعب من المياه لتصل الكمية الاجمالية لسعة السد المذكور 74 مليار متر مكعب وهو ما يشكل الحصة السنوية الاجمالية من لكل من مصر والسودان من مياه نهر النيل .
اقتصاديا تهدف اثيوبيا من بناء هذا السد الى توليد الطاقة الكهربائية لسد احتياجات السكان المحلية اضافة الى تصدير الفائض للدول المجاورة ، القدرة التوليدية لهذا السد تصل الى ستة آلاف ميغاوات بحيث يصبح هذا السد الاول أفريقيا والعاشر عالميا من حيث إنتاج الكهرباء بعائد سنوي تصديري يصل الى 2 مليار دولار . وتبلغ كلفة بناء السد 5 مليار دولار من المتوقع أن يستعيد كلفته خلال ثلاث سنوات.
سياسيا تسعى إثيوبيا الى تأسيس معادلة جديدة في القرن الأفريقي لتكون الدولة الرائدة والقائدة في دول حوض النيل ،مراكمة إنجازات تنموية جعلتها " صين" القارة الافريقية، فقد انتقلت من ثاني أفقر دولة في العالم سنة 2000 مع مجاعة قتلت مليون إنسان الى الدولة الأسرع نموا في العالم في سنة 2017 ,إثيوبيا الدولة الحبيسة تسعى الى نفوذ اقتصادي عبر سكك الحديد وتشغيل موانئ في الدول المجاورة وتملك الخطوط الاثيوبية أكبر شركة طيران في القارة الافريقية، تسعى استراتيجيا إلى " الهيمنة الهيدوبولتيكية" بمعنى مائياً وسياسياً .
في المقابل ،تعتمد مصر في إيرادها المائي على 85% من النيل الأزرق الذي تقيم إثيوبيا سد النهضة عليه وتبلغ حصة مصر من مياه نهر النيل 55 مليار متر مكعب وحسب مسؤولين مصريين فان نقصاً مقداره 1% فقط من مياه النيل يحيل 100 ألف فدان من الاراضي الزراعية الى بوار.
من الناحية القانونية تستند مصر الى ركائز ثابتة في القانون الدولي كمنطلق لمعارضتها لبناء سد النهضة حيث أقرت لها المعاهدات الموقعة بين بريطانيا بالنيابة عن مصر والسودان وبين الامبراطورية الاثيوبية سنة 1902 وكذلك الاتفاقية الموقعة سنة 1959 و المتعلقتين بالحفاظ على حق مصر كمستفيد أساسي من نهر النيل وعدم جواز قيام مشاريع في دول المنبع تؤثر سلبا على حصة دول المصب ، من تلك الركائز مبدأ توارث المعاهدات الدولية ، ومبدأ الإخطار المسبق وعدم التسبب في ضرر والذي مفاده أن الدولة العليا التي تشترك في مجرى النهر الدولي عليها أن تراعي -عند قيامها باستغلال جزء النهر الواقع في أراضيها - مصالح الدول الاخرى المشتركة في النهر.
لكن القانون الدولي وحده لا يكفي كاستراتيجية مصرية في مواجهة العدوان الإثيوبي على المصالح القومية المائية العليا للدولة المصرية ، والحق يقال أن مصر أخطأت في تعاملها مع قضية سد النهضة منذ اليوم الأول باعتبارها خلاف حول الحقوق المائية فقط إذ كان يجب النظر إليها بمنهج شمولي متكامل باعتبارها قضية استراتيجية وسياسية وليست فقط مائيه.
البدائل المطروحة اليوم أمام صانع القرار محدودة ،خاصة أن عملية بناء السد شارفت على الانتهاء لكن بديلا واحدا لم يطرح بعد وهو الخيار العسكري وهو خيار ممكن ومتاح لكنه مكلف سياسيا ، فهل تلجأ إليه الدولة المصرية أم تستسلم لمقولة انتهاء الهيمنة التاريخية المصرية على نهر النيل .
Mutaz876@gmail.com