الدعوة عشوائية وباريس ليست مربط خيلنا!
صالح القلاب
19-11-2009 05:10 AM
غير مفهومة على الإطلاق دعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لعقد مؤتمر دولي في باريس لحل عقدة عملية السلام في الشرق الأوسط، وبخاصة على صعيد قضية فلسطين، فهناك اتفاق سابق على أن يكون هذا المؤتمر في موسكو وهناك توجه فلسطيني مدعوم بقرار لجنة المتابعة العربية، التي اجتمعت في القاهرة يوم الخميس الماضي، باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كأمر واقع ملزم لإسرائيل على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967. ولهذا فإن السؤال الذي يجب أن يوجه إلى الرئيس ساركوزي، قبل أن يذهب بعيدا في هذه القفزة الفاشلة التي ستكون مكلفة لفرنسا وعلى حساب دورها الدولي ومكانتها في الفضاء الشرق أوسطي إن لم تسبقها حسابات دقيقة، هو لماذا هذا المؤتمر وما هو المتوقع منه طالما أن إسرائيل متمردة على هذا النحو وطالما أنها تدير ظهرها لكل القرارات الدولية وتمد لسانها باستهزاء في وجه العالم بأسره؟ إن ما يجب أن يقوله العرب والفلسطينيون للرئيس الفرنسي وبوضوح وصراحة، ولكن بدون افتعال أي مشكلة مع فرنسا، هو أن هذا المؤتمر سيكون مجرد خشبة إنقاذٍ لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، التي عنوانها أفيغدور ليبرمان، إن لم يتم قبل انعقاده حسم مسألة مرجعية استئناف مفاوضات عملية السلام المتوقفة التي هي حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وقرارات الأمم المتحدة وفي مقدمتها القراران الشهيران 242 و338، وذلك بالإضافة إلى خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية.
إلى ما قبل تراجع الإدارة الأميركية عن إصرارها السابق على ضرورة وقف الاستيطان ومن ضمنه ما يسمى «النمو الطبيعي». وإلى ما قبل تلك التصريحات «البلهاء» التي أدلت بها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال لقائها رئيس الوزراء الإسرائيلي في القدس أثناء جولتها الشرق أوسطية الأخيرة كان نتنياهو يعيش مأزقا حقيقيا وكان يشعر بأن سقوط حكومته السابقة في عام 1999 سيتكرر وأن خياراته محدودة جدا، ولهذا وعندما يبادر ساركوزي إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي في باريس لمعالجة وضع مفاوضات أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية المستعصية والمتوقفة فكأنه يلقي بطوق نجاة لـ«صديقه الحميم» وكأنه يقصد تحويل عامل الوقت من ضد إسرائيل إلى معها.
لا شك في أن نوايا ساركوزي قد تكون حسنة وأن هدفه من هذه الدعوة هو تحريك عملية السلام مع إعطاء نفسه وإعطاء فرنسا دورا هو وهي بحاجة إليه في هذه الفترة التي تجري فيها إعادة صياغة المعادلة الدولية على أسس جديدة غير الأسس السابقة، لكن مما يدل على الارتجال وعلى أن المستفيد الوحيد بالتالي سيكون بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، هو أن الرئيس الفرنسي لم يضمن تأييد الولايات المتحدة المسبق وأنه حسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية يريد أن يكون هذا المؤتمر الدولي بمثابة قمة مصغرة يقتصر حضورها على رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني والرئيس السوري والرئيس اللبناني والرئيس المصري، وبمشاركة ممثلين عن الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وهنا وإذا كان هذا الذي ذكرته «هآرتس» صحيحا فإن ما يؤكد على أن ساركوزي غير جادٍ في هذه الدعوة وأن كل ما يريده مجرد قفزة في الهواء لإعطاء فرنسا دورا هي بأمس الحاجة إليه ولإعطاء نفسه صورة غير صورته الداخلية الحالية، هو أنه استثنى دولا أساسية ومعنية في هذه المنطقة مثل الأردن والمغرب والمملكة العربية السعودية، وهو أنه لم يقل أي شيء لا بشأن ضرورة التزام إسرائيل المسبق بوقف الاستيطان ولا بشأن اعتبار حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 مرجعية لمفاوضات الوضع النهائي ومن ضمنها القدس الشرقية.
كان يجب أن يدرك ساركوزي، قبل أن يدخل معمعة الدعوة لهذا المؤتمر الدولي غير الواضح المعالم وغير المستند إلى جدول أعمال محدد يأخذ بعين الاعتبار كل هذه المستجدات بالنسبة لأزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، أن دعوته هذه سيفهمها معظم العرب على أن دافعها هو إعطاء نتنياهو فرصة لتنفيس الضغط الذي بات يتعرض له وأنها محاولة للعودة إلى تنافس المسارات وعلى غرار ما كان عليه الوضع بعد مؤتمر مدريد مباشرة عندما ساد ذلك الشعار البائس: «كلٌّ يقلع شوكه بنفسه وكل شاة معلقة من عرقوبها».
وكان يجب أن يدرك ساركوزي أيضا أن كل هذا التركيز على المسار السوري بينما تعيش عملية السلام كل هذا الاستعصاء بالنسبة للقضية الفلسطينية التي هي جوهر الصراع في هذه المنطقة والتي هي القضية الأساسية. إنه في ضوء هذا كله يمكن القول إن «باريس ليست مربط خيلنا» وأنه لا ضرورة لهذا المؤتمر العشوائي الذي حسب «هآرتس» أيضا فإن نتنياهو سارع إلى تأييده والترحيب به وأن اللحظة الراهنة تقتضي التركيز على القرار الذي اتخذته لجنة المتابعة العربية في اجتماعها في القاهرة يوم الخميس الماضي بالسعي لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بالإعلان عن قيام دولة الأمر الواقع الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع مــــن يونيو (حزيران) 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية.
لا يجوز أن يعترض الرئيس الفرنسي طريق هذا التوجه الفلسطيني والعربي، المدعوم بتأييد حتى من قبل أوساط أميركية فاعلة ومؤثرة على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، بدعوة عشوائية لمؤتمر دولي لن يكون إلا تنفيسيا وتمييعيا في حال انعقاده وأغلب الظن أنه لن ينعقد حتى في هيئة القمة المحدودة التي يريدها ساركوزي أن تضم بالإضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي كلا من محمود عباس (أبو مازن) وبشار الأسد وميشال سليمان وحسني مبارك. الآن بدأت السلطة الوطنية، بالتنسيق مع الجامعة العربية، بالاستعداد قانونيا لبلورة مشروع قرار سيعرض على مجلس الأمن الدولي يطالب بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 والآن هناك اتصالات فلسطينية وعربية مع اللجنة الرباعية ومع كل دول العالم الفاعلة والمعنية، ولذلك فإن دعوة ساركوزي العشوائية هذه ستفهم من قبل معظم العرب على أن هدفها هو الاعتراض وهو التعطيل والتمييع وتحويل الأنظار في اتجاه آخر غير اتجاه القرار الذي اتخذته لجنة المتابعة العربية في الاجتماع الذي عقدته لهذه الغاية في القاهرة يوم الخميس الماضي.
لا ضرورة الآن لعقد أي مؤتمر دولي، حتى بما في ذلك مؤتمر موسكو الذي كان قد أُقر عقده منذ فترة سابقة بعيدة، فهناك قرارات دولية كافية من بينها القراران المعروفان رقم 242 ورقم 338 وهناك خارطة الطريق وكل هذه المسيرة الطويلة من المفاوضات، ولذلك وبما أن الجهود منصبة الآن على إما أن تذعن إسرائيل لشرط وقف الاستيطان وتذهب إلى المفاوضات على أساس أن مرجعيتها هي حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وإما أن يتم التوجه إلى مجلس الأمن ليعلن قيام الدولة الفلسطينية المنشودة وفقا لهذه الحدود وبما في ذلك القدس الشرقية، فإنه على ساركوزي أن يطوي مشروعه وأن يبحث عن وسيلة أخرى لتلميع نفسه وللتأكيد على أن لفرنسا دورا تستحقه في المعادلة الدولية.
هناك الآن قبول دولي، يشارك فيه أعضاء أساسيون في الكونغرس الأميركي، بخطة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض التي قطعت شوطا هاما على طريق إقامة مؤسسات الدولة الفلسطينية التي يجب أن تقوم في غضون عامين، ولهذا فإن لم يكن لدى ساركوزي رغبة في أن يساهم في مساعدة الفلسطينيين في الوصول إلى هذا الهدف النبيل فإن عليه أن يتوقف عن هذه الدعوة العشوائية التي هي بهلوانية سياسية مضرة فلسطينيا وعربيا والتي لا يستفيد منها إلا بنيامين نتنياهو الذي تربطه علاقات صداقة معلنة مع رئيس فرنسا التي مصالحها الهائلة في المنطقة العربية لا تجوز مقارنتها مع مصالحها شبه المعدومة مع الدولة الإسرائيلية.
* عن الشرق الاوسط