أتحدث عن جرائم الشرف التي تتكاثر كالسرطان في مجتمعنا، والتي لا تملك أي سند ديني ولا مدني، فحق فرض الحد والعقاب هو ملك لولي الأمر (الحاكم، الوالي، القضاء)، وهو لم يكن قط من حقوق ذكور العائلة إلا في الجاهلية الأولى، لكننا الآن نعطيها للولد الأصغر الذي لم يبلغ سن الرجولة حتى ينجو من العقوبة الجنائية، بما يعني ان قتلة العصور القديمة كانوا أشجع منا.
إنها منظومة القيم التي تفرضها الفئات الكبيرة على الفئات المقهورة ، حين تصور الأولى للثانية بأن شرفها وكرامتها ورجولتها مرتبطة بالمرأة بدل ان ترتبط بالمكانة الاجتماعية والمهنية . في هذه المقولة خدعة كبرى تحول الأنظار عن مصدر العار ، وعن سببه الحقيقي ، وهو استغلال الإنسان وهدر إنسانيته وتحويله إلى جهاز يبحث عن اللقمة حتى يموت قهرا أو جوعا.
الإنسان المقهور الذي من المفترض أن يثور على مصادر عاره الحقيقية، تتحول الثورة عنده إلى من يمثل عاره الوهمي (المرأة) ... المستضعفة، ويحصل مقابل ذلك على تخفيض العقوبة إلى الحد الأدنى، وجوائز ترضية شعبية تتمثل في بعض الفخر المزيف وتفتيل الشوارب.
وكما ان الرجل يتسلط زيادة على المرأة ويبتلع حقوقها في المساواة التامة.
المقهور يلخص عاره بالمرأة متناسيا عاره الحقيقي، ويستخدم المرأة مثل كيس الملاكمة لتنفيس غضبه.
لكن الإنسان المقهور كما علمتنا جميع تجارب الشعوب ، يتربص دائما بالمتسلط تمهيدا للنيل منه بالأسلوب الذي تسمح به الظروف ، وهذه الازدواجية في العلاقة بين القاهر والمقهور هي مرحلة وسطى بين الرضوخ والتمرد.
إلى ان نستطيع الانتقال.. ستظل المرأة تدفع الثمن ... وهي أشرف منا جميعا.
الدستور