فكرة تنموية .. خارج المألوف
د. ابراهيم سيف
14-10-2019 12:16 AM
بدأت وزارة المالية في إعداد موازنة العام المقبل، ويجب ألا نتوقع الكثير مما سيرد في تلك الموازنة، فحتى الآن، فإن ما يرشح من بلاغ للموازنة وتعميم على الوزارات والمؤسسات لا يخرج عن إطار المألوف، وتبدأ عملية هندسة الأرقام وضبطها حتى تكون نسبة العجز مقبولة، وسوف يتم إقرار معدلات للنمو بناء عليها تبنى الايرادات، وليس بالضرورة ان تتطابق التوقعات مع الأرقام المتحققة، فهذا حالنا منذ سنوات وكأن هذا هو الامر الطبيعي.
يضاف الى ذلك ان الانفاق الرأسمالي سيكون متواضعا، وسوف يتم في ديباجة الموازنة الحديث عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص وكيفية تعزيز وحشد الموارد للمضي في تحقيق الأهداف المطلوبة والايرادات وتحسين الأداء، بعد ذلك تبدأ رحلة إقرار الموازنة والهجوم التقليدي من السادة النواب والمراقبين، ونقاشات في الحقيقة لا ضرورة لها، وشخصيا لا أرى غضاضة في إقرار الموازنة في نصف ساعة او نصف نهار، فهي لا تحمل جديدا ومعظم بنودها جامدة لا يمكن التحرك ضمن اطرها من رواتب، وتقاعد، وخدمة دين ونفقات تشغيلية وما تبقى من فتات يخصص لنفقات رأسمالية.
ما السبيل للخروج من هذا الوضع ، هناك طريقان، الأول يقوم على مزيد من شد الأحزمة كما ندعي، وهذا مصطلح بات قريبا في فرادته من “عنق الزجاجة” الممتد الى ما لا نهاية، والآخر اتخاذ قرار بأن يتم المضي في اعداد الموازنة بالطريقة التقليدية مع فارق ان يتم اتخاذ قرار بأن يتم تركيز الجهود التنموية والانفاق الرأسمالي خلال العام المقبل على محافظتين فقط، واحدة في الشمال والأخرى في الجنوب، ويفضل ان تكون هذه المحافظات صغيرة نسبيا وأن يتم وضع برنامج للنهوض بالواقع المعيشي والتشغيلي فيها، واتخاذ ذلك كنماذج للعمل الحكومي المستقبلي، ويمكن مع المجالس المحلية تحديد الاولويات والمستهدفات وتخصيص موارد لتهيئة المرافق الأساسية.
خلال اعداد وثيقة الأردن 2025، تم اعداد دراسات شاملة للمحافظات، وهذه الدراسات موجودة ومتاحة في اكثر من موقع، والمطلوب فقط تحديثها والأخذ بها كوثائق مرجعية يمكن الاستناد اليها لتحديد ما المطلوب ومن أين سنبدأ، وكيف يمكن بناء الشراكات وتغيير بعض الانماط السائدة في العمل.
ورغم ان هذه الفكرة نوقشت في السابق، إلا ان المضي فيها لم يتحقق من النواحي العملية وذلك للعديد من الأسباب المرتبطة باختيار المحافظات المستهدفة، والاسس والمعايير التي يمكن البناء عليها، وكان يتم الهروب من التنفيذ لأنه لم يكن يحظى بالشعبية اللازمة لدى قطاعات واسعة تعتبر انها مهمشة وتستحق ان يتم بدء العمل فيها.
ما نجادل به هو إما اننا سنعيد نفس تجربة الأعوام السابقة في التخطيط للموازنة، والهجوم عليها قبل ان تصبح مشروع قانون لأنها لا تحمل الجديد، أو ان تقود الحكومة مبادرة مقنعة لتغيير قواعد اللعبة وأن تفكر بأن هناك محافظات ذات آفاق كبيرة لكنها لا تقترب من تحقيق تلك الآفاق بسبب المحددات القائمة وبسبب قلة المخصصات وانعدام جاذبيتها للقطاع الخاص لغياب رؤية واضحة حول ما يجب عمله. الوقت ليس للتجريب بقدر ما هو للتفكير بتوظيف الأدوات المتاحة من حوافز ونفقات ولكن بصورة مختلفة قد تحدث الفرق خلال فترة زمنية محدودة، والنجاح في كثير من الأحيان معد بصورة إيجابية ويمكن ان يزرع الأمل بأن هناك مقاربة وديناميكية جديدة قيد النشوء، فهل يستحق الأمر المحاولة أم تستمر المراوحة في ذات المربع.
الغد