الإدانة الكلامية لما يرتكب من جرائم باسم الاسلام لا تكفي
د. عادل يعقوب الشمايله
13-10-2019 11:36 AM
تتكررُ الاعمال الارهابية التي يرتكبها منتمون للدين الاسلامي ولمنظمات سياسية اسلامية في شتى أنحاء العالم. وإثر كل عملية إرهابية يُكرر مسؤولون حكوميون وزعماء اسلاميين، عبارات الإدانةُ وتبرئةُ الاسلام من المسؤولية عن الحادثة.
يظلُ السؤالُ التالي مُعلقا برسم إجابةً عقلانيةً مُقنعةً وحاسمة: هل تُجفِفُ كلماتُ الإدانات دموع من سالت دماءُ أبنائهم، وفقدوا أحبائهم الذين دُهسوا في الشوارع أو فجروا أثناء التسوق أو في المطارات ومحطات المواصلات؟
أُناسٌ أبرياء عاديون: مزارعون، تجار، طلاب مدارس وجامعات، عمال جمع القمامة، نساءٌ شابات ومسنات.. اشخاصٌ ذاهبون للمستشفيات ..سياحٌ اجانب. وهل يُخففُ من مُصابِ هؤلاء تبريرنا بأن السياسيين في دول من قتلوا، قد سبق وتسببوا بقتل العديدين من أبنائنا؟ هل يُمكن لِمثلِ هكذا تبريرات أن تُعيد الحياة لضحايانا؟ هل من يُقتلونَ في شوارع المدن الغربية هُم من قتل عربا ومسلمين؟ هل هذا مقبول من وجهة نظر إسلامية؟ أو حتى عشائرية؟ ماذا لو كان الضحايا الغربيين ليسوا من خمسة من تسبب بقتل عرب ومسلمين؟
كثيرون يُدركونَ أن العمل الارهابي ثمرةَ شجرة زُرعت وسُقيت وسُمدت حتى أينعت وحان قطاف ثمارها. أصحابُ الادراك يعلمون أماكن زراعة تلك الاشجار ومن يتولى زراعتها وسقيها وتسميدها ومن يقطف ثمارها.
ولعل من الحكمة أن يقتنع محبوا جحا ومن يتمثل بحكمته: "حايد عن ظهري بسيطه" ، "... وقاعد عليها" أو الذين يُحرَزون أنفسهم بدعوة " الشر برا وبعيد"، أن التكنلوجيا الحديثة وضرورات العيش والعمل والتعليم والتجارة والهجرة من الفقر أو من الظلم أو من الاستبداد، أو بهدف الاستثمار تتسبب في إنتقال وتنقل الاباء أو الابناء أو الاخوة بين مدن العالم. لم يكن الذهاب الى الصين أفواجا مُتَصوراً قبل عشرين سنة، ولا الذهاب الى تركيا بالكثافة التي نُشاهدها ونسمعُ عنها. أصبحت السياحةُ حقاً يُمارسه الناس من كافة طبقات المجتمع بعد أن كانت مُقتصرة على كبار المسؤولين والاغنياء. هذا يعني، أن خبر الموت قد يصل الى الأسرِ العربية والمسلمة كما يصل الى أُسرِ الاوروبيين والامريكان.
التطرفُ والمجونُ الديني لا يقتصرُ على المسلمين. بل، لا تخلوا منه دولة وربما مدينة من مدن العالم. لذلك، يستطيعُ رجال أي دِينٍ شيطنة أتباع الاديان الاخرى وتكفيرهم وتحليل دمائهم. وهذا ما يجري لأقلية الروهنغا. هذا عدا عن أتباع المذاهب المتصارعة في الدين الواحد وهو ما يحدث في اليمن. من السهل اصطيادُ الضعاف والمهوسيين والحالمين واقناعهم بأن عالما آخر افضل وأعدل واجمل وأمتع ينتظرهم، وأنَّ من الغباء الانتظار هنا طويلا.
إن من السذاجة أن تتوقعَ مجموعة بشرية لا يفتأ أتباعها عن التعبير عن الكره والعداء لأتباع الديانات الاخرى في خطب الجمعة وفي وسائل الاتصال وفي الندوات وجلسات الحوار وفي الكتب والمناهج، وعن ترداد الدعوة والدعاء لاستعادة الإمبراطورية الإسلامية، لا ليُضيفوا ويُثروا الحضارة العالمية، بل ليتمكنوا من غزو العالم وقهره ومحو ديانات الشعوب وحضارتها وإحلال الشريعة الإسلامية بدلا عنها، أن يتوقعوا من تلك الشعوب أن تتقدم إليهم بالورود وتمد لهم السجاد الاحمر.
على هؤلاء أن يتذكروا أن الغرب يملك كافة وسائل الحضارة الحديثة وخاصة التكنلوجيا والقوة العسكرية القاهرة، وهم من يطور العلوم والاسلحة بكافة عناصرها. وبالتالي فإنهُ لنْ يُمكَّنَ العرب والمسلمين من مُغادرة فُسطاطِ التخلف والتمزق والتناحر طالما هم يتعبدون بالكره ويتوعدون الشعوب الاخرى. Are you kidding? .
أنا لا أنكر أن دول الغرب قد ارتكبت حماقات وجرائم بشعة. ولكن العالم لا يُمكن أن يظل الى الابد ساحةً لغارات الثأر والثأر المضاد. لقد ارتكب اليابانيون جرائم بحق شعوب جنوب شرق أسيا. كما ارتكبها الصينيون والروس والمغول والاتراك. لقد عانت الشعوب الاوروبية من الاتراك أضعاف ما عانى العرب من الاستعمار الغربي. كما قتل العرب مئات الالاف من العرب ولا يزالون. كفى، علينا أن نقلب الصفحة.
خلاصة القول: أن جميع الناس في خطر بمن فيهم من يقصد الحج أو العمرة سواءً في المطارات العالمية أو المحلية وفي أماكن العبادة أو أماكن التسوق. لا حصانة لأحد. في ظل الظروف العالمية الراهنة التي سبق وأن بَينتُ مشهدها، فان هنالك خياران لا ثالث لهما: إما الامن للجميع أو الخطر على الجميع.
في الختام، أرى أن لا بد من مواجهة هذا المأزق التاريخي والحضاري والمصيري الذي يواجههُ العرب وربما المسلمون كافة.
العلاجُ لا يقتصر على قطع شجرة الارهاب اليانعة فحسب، بل في التدخل في بيئتها. بحيث يتمُ التعاملُ مع بذور الارهاب وتربته ومن يزرعه ومن يُسمده ومن يسقيه ومن يُسوقهُ ومن يبررهُ ومن يتسترُ عليه.
إنها عملية مركبة. هذه واحدة. أما الاخرى فعلى رجال الدين الاسلامي أن يُبادروا الى تقديم نماذج إيجابيةٍ للاسلام.
نماذجَ حيةٍ تطبيقية تُثبتُ مزايا الاسلام التي يتحدثون عنها ويروجون لها، والتي يعتقدون أنَّ العالمَ الظالمَ لا يراها ولا يُقدرها. بمعنى أن تكون هناك مُبادراتٌ "يلمسها" مواطنوا العالم حيث يسكنون، وحيث، وكيفَ يتعلمون، وحيث يتسوقون وحيث يتعالجون وحيث يتنزهون، من قِبَلِ، ومن خلالِ الجاليات الاسلامية التي يتخرجُ منها الارهابيون.
عليهم تقديم نماذج في خدمة المجتمع ومساعدة الناس الاقل حظا ومكافحة المخدرات والادمان على الكحوليات، وتنظيف البيئات العربية والاسلامية المغتربة من المخادعين والغشاشين والمحتالين والمزورين الذين يمتهنون الخروج على القانون. والذين لا يتركون مُوبقةٍ الا واقترفوها، بل واخترعوا موبقات جديدةٍ.
وهذا ما يجعل السلطات الرسمية تلهث وراء هؤلاء في محاولاتها تحصين أنظمتها المالية والمصرفية والاجتماعية والقانونية من اختراقات المنحرفين ومُعظمهم من العربان. لا يكفي أن نبني المساجد في أحياء الغربيين ونطرقُ أسماعهم بصوت الاذان خمس مرات بلغة وموسيقى لا يفهمونها، ونُغلق الشوارع أيام الجمع ونقول هذا ديننا السامي وعليكم تقبله، بل عليكم أن تنبهروا وتعلنوا إسلامكم. علينا أن نخفف عنهم ليخفوا عنا.