* لعل المدخل للحديث عن القضية الفلسطينية... وإلى أين؟ وهل يستمر هذا الركود الذي يذكّر بحالة (اللاسلم واللاحرب) قبل عام (1973م)... لعل المدخل يعبر عنه (ديفيد شينكر)، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، حيث أوضح بصريح العبارة بقوله: (عندما نقلنا سفارتنا إلى القدس، توقعنا حدوث انفجار للوضع في المنطقة واندلاع سلسلة من الانتفاضات، إلا أننا تفاجأنا بردة الفعل (الباردة) عالمياً- وقوبلنا ب (التثاؤب)... وهذا يذكرنا بما نقل عن (جولدامائير) عندما قام المتطرف الصهيوني- الإسرائيلي- الاسترالي بجريمة إحراق (الأقصى المبارك-21/8/1969)، بأنها لم تنم تلك الليلة خشية ردود الفعل العربية والإسلامية، وخشية الانتفاضات ضد إسرائيل، محلياً وعالمياً؛ ولكنها عند الصباح أدركت أن بمقدور إسرائيل أن تفعل ما تريد...فالصمت والسكون في المنطقة كان أكثر مما تريده إسرائيل أو تتوقعه.
* لقد دخلت (القضية الفلسطينية)مرحلة سبات عميق، عربياً ودولياً... وأصبحت ردود الفعل العربية مألوفة ومكررة: تتمثل بالإدانة والرفض لأي خطوة صهيو- أمريكية، ومثال ذلك ردة الفعل للقرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة (عاصمة موحدة لإسرائيل) ونقل السفارة الأمريكية إليها، والتصريحات المؤيدة لإسرائيل والمشجعة لها، لضم المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة (1967م)، والوعد الليكودي بفرض السيادة الإسرائيلية على منطقة الأغوار المحتلة، فضلاً عن (قانون قومية الدولة العبرية) الذي يمحو اسم (فلسطين) وتصبح (أرض إسرائيل)... وجميعها كانت تحظى بمباركة ودعم أمريكيين: وربما القرار الوحيد الذي لم تنجح به الولايات والمتحدة وإسرائيل بفرضه على الواقع كان ذلك القرار المتعلق بوأدِ (الأونروا) بحجب المساهمة المالية الأمريكية، عقاباً للسلطة الوطنية الفلسطينية، وهو القرار الذي نجحت الجهود الأردنية- الفلسطينية في حشد التمويل لتلك الوكالة رداً على ذلك القرار.
* لقد أصبحت القضية الفلسطينية في حالة أقرب إلى الجمود ... وتكاد لا تذكر إلا في كلمات الوفود العربية والإسلامية والصديقة في المنظمات المنبثقة من هيئة الأمم المتحدة... وهي (منظمات بلا أنياب) فلا امكانية لديها لتنفيذ قراراتها.
وإذا ما أريد إعادة القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية، وفي ظل الأوضاع العالمية سريعة التغيّر، وكذلك الحالة العربية والإسلامية التي تفتقر إلى القدرة على اتخاذ إي إجراءات عملية وتنفيذية، فإن القضية يمكن (عودة الروح) إليها من خلال محاور:
-وضع القضية في إطار الصراع العربي- الصهيوني: فثمة مشروع صهيوني توسعي لا حدود له، ولا يمكن مواجهته في غياب (مشروع عربي) يكون ندَّا لذلك المشروع الصهيوني.
-إحياء العمق العربي- الإسلامي للقضية الفلسطينية، فهي قضية تشد اهتمام الشعوب العربية والإسلامية لدوافع عديدة دينية وتاريخيه وثقافية واقتصادية... وغير ذلك من الدوافع.
-تفعيل المقاطعة العربية حسب قرارات ( جامعة الدول العربية-1954) باعتبارها سلاحاً اقتصادياً فعّالا، فهو سلاح فعّال يقدر ما هو مزعج، على الأقل، للصهيونية/ الإسرائيلية، ولعل حركة (BDS)- المقاطعة الاستثمارية- الاقتصادية- في بعض مناطق العالم، ومؤسساته الاقتصادية والأكاديمية، تعبر عن مدى القلق والإزعاج لدى إسرائيل... وسيكون أثر المقاطعة أعمق جرحاً إذا ما أصبح سياسة اقتصادية عربية.
*تعظيم الاستثمار العربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة (1967م) وإقامة مشاريع في قطاعات الإسكان والتنمية الثقافية والاجتماعية من خلال مشاريع مؤسسة توفر حزمة خدمات اجتماعية أفضل (في التعليم والصحة والرعاية الأسرية والشبابية)... مما يعطي مفهوماً عملياً لشعار دعم الصمود الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وهو الشعار الأضعف حالياً من وجهة نظر عملية على أرض الواقع، ولكنه الأقوى في المنتديات العربية التي لا يترتب عليها أي التزامات.
* أما المحور الأخير، فهو المحور الدبلوماسي الفاعل، إذ لا يمكن أن تحقق القضية الفلسطينية إي تقدم ذي فعالية دبلوماسية، إذا ما ظلت ثانوية بالنسبة للدبلوماسية العربية، ويمكن أن يتم ذلك بإيجاد حركة دبلوماسية عربية متخصصة ومتفرعة وممولة عربياً، مع أهمية اعتماد المبادئ والخطوط الرئيسية لمنهجية عربية موحدة، تؤكد على الرؤى التوافقية المشتركة، وتضع جانباً الاختلافات الفرعية فيما بينها... فالقضية الفلسطينية هي قضية إجماع واتفاق عربي، مهما كانت الأحوال.
الدستور