لنعيد مأسسة العلاقة بين الشعب ورجل الأمن
نشأت الحلبي
17-11-2009 09:01 PM
مؤلم والله أن ترى تلك الصور، وتقرأ تلك الأخبار التي توالت مؤخرا عن الإحتجاجات التي شهدتها معان بعد حادثة المواطن الذي لقي حتفه إثر تعرضه للضرب على يد رجل من الأمن العام، فقد تخيلت نفسي وكأنني أتابع خبرا من "تورا بوار" أو إحدى النقاط الساخنة في العالم والتي لا يسكت فيها صوت الرصاص، ولا تشتم من أخبارها سوى رائحة الدماء.
هذه الحادثة البشعة لربما تعد القشة الأخيرة التي يجب أن تفضي الى فتح "ملف" الأمن العام على مصراعيه بعيدا عن كلمات التغني والشعر، فلا أحد فينا يختلف على الواجب المقدس للأمن العام في حماية أمن الوطن والمواطنين وهو ما يشيع الراحة في نفوس الناس ليشعروا بـ "حميمية" الوطن، أما أن يصل الأمر الى حد "تشييع" أمن الناس وتهديد أرواحهم، فهذا والله الأمر المستغرب والجديد في الأردن الذي ما فتئ يباهي العالم بأمنه وبحالة الإنسجام الذي عز نظيرها في العالم، الثالث، على وجه الخصوص، بين أهل الحكم والناس وخصوصا بين الشعب ومن يقوم على أمنه، فهؤلاء أهل هؤلاء، وأولئك أبناء أولئك، فالمكون واحد، والولاء واحد، والإنتماء واحد، والتربية واحدة، والهدف في النهاية واحد، وهو أمن الوطن الذي هو الأهل والعشيرة والجار والصديق، وكل شيئ..
حتى قصة "الإضطراب الإجتماعي"، هي بحد ذاتها، كمصطلح، دخيلة على المجتمع الأردني، فقد كان توصيف "الأسرة الواحدة" هو المصطلح الذي يعرف فيه المجتمع الأردني دائما، فلماذا هذا "الإضطراب" ومن هو المسؤول عنه، ولماذا نسمع عن هذا الإنهيار في العلاقة بين الناس ورجل الأمن العام، فمتى كنا نسمع عن قيام أحد رجال الأمن العام بتعذيب مواطن حتى الموت، ومتى كنا نسمع عن مواطنين يهاجمون مقرا للشرطة، سواء كان "كشك" أو مركز أمني، ومنذ متى كانت "الهوشات" بين العشائر تتطور لتصل حد المواجهة مع رجال الأمن العام، فأين ذهب مفهوم الأسرة الواحدة، ومن الذي أطاح به، وهل ذهبت أواصل المحبة بين الناس، التي كانت الجامع الأساس للأردنيين دائما، أدراج الرياح، ومن المسؤول عن كل هذا؟!!
المنظومة الأمنية هي أهم دعائم الإستقرار في كل بلاد الدنيا، وهي دعامة لا تقوم على المواجهة مع الناس بقدر ما تقوم على علاقة حميمة تدفع الناس دفعا للدفاع عن هذه المنظومة بكل مكوناتها، وبالتالي الإلتزام بالقانون كفيصل وحكما ومسيرا وأساسا للحياة، وليس "عصا" تهدد الناس ليكرهوا القانون ويدخلوا في النهاية بمواجهة مع من يقومون على هذا القانون لأنهم حولوه الى أداة لتهديد الناس وإرهابهم وليس لتنظيم حياتهم، والحفاظ بالتالي على أمنهم.
إذا ما كان لنا في العالم المتقدم من عبرة، فمن الأجدى أن نأخذ بسياسات هذا العالم الأمنية، خصوصا، لنطبقها في بلادنا، فالمؤسسات الأمنية هناك تشارك الناس في افراحهم وأتراحهم، وتشعرهم بأنها جزء أساس في هذه المجتمعات وشريك مهم، فخذ مثلا أن مؤسسات الإطفاء والحريق، ومراكز الامن العام في تلك البلدان تشارك الناس في اعيادهم، بل أنها تنظم بشكل مستمر للأطفال حفلات في تلك المناسبات وتدعوهم وذويهم الى زيارة مقراتها وتقدم لهم الألعاب والهدايا، ولا أبالغ إذا ما قلت أن كبار الضباط يلعبون من الأطفال ويعمدون هم الى تقديم تلك الهدايا للأطفال، ولكم أن تتخيلوا طبيعة علاقة أولئك الأطفال مع رجال الأمن العام حين يكبرون، وما هي مشاعرهم إتجاه مؤسساتهم الأمنية؟؟!!!!
أعود لأكرر بأن الحوادث التي شهدها الأردن مؤخرا سواء في الشمال أو في الجنوب أو في "حي الطفايلة"، وغيرها، يجب أن تضع القضية باكملها على طاولة البحث، لتبحث بشجاعة، وعقل، وضمير، طبيعة العلاقة بين رجل الأمن العام والناس، ولتخلص الى وضع سياسات جديدة تجذّر هذه العلاقة وتقوي دعائمها وتؤسسها مجددا على أساسين هامين، أولاهما : أن يعود شعور المواطن بالأمن والأمان، وثانيهما : أن تبقى هيبة رجل الأمن العام في مكانها، أما كيف، فتلك هي القصة التي يجب أن نستفيض بدراستها لنعيد مأسستها مجددا.
Nashat2000@hotmail.com