منحنيات خطيرة للغاية نعيشها هذه الأيّام ، فالجميع يطالب بسيادة القانون و تطبيقه على الكافّة بلا إستثناء ، وفي ذات الوقت نلتمس لكلّ من يخرج عنه المعذرة و التسبيب .
ففي إضراب المعلّمين ، إستُخدمت القاعدة الميكافيليّة " الغاية تبرّر الوسيلة " للخروج عن النصوص الواضحة التي تحظر الإضراب و تلك التي توجب إنزال العقوبات الإدارية على المخالفين لواجبات الوظيفة العامّة و حتى الأحكام القضائيّة التي تعرّضت للإلتفاف و التجاهل ، وكان التّحدي بمواجهة القانون .
واليوم تضجّ الشاشات الزرقاء بمناشدات و كذلك إنتقادات لقيام ممثلة بتحريك شكوى ضدّ زميلٍ لها مستخدمة حقّاً دستوريّاً ووسيلة حضارية في تحصيل الحقوق ، و سترضخ حتماً لتلك " الجماعات الضاغطة " والتي تناولتُها في أحد مقالاتي مؤخراً .
إنّ ما يجري غاية في الخطورة ، وإذا ما إستمرّ - لا قدر الله - فإنّنا بصدد فوضى عارمة و إنهيارٍ لمنظومة الأمن الشامل إذ أن تجريد القانون من وسائله و غاياته ينزع عنه صفتيّ الإلزام و الإحترام و عنصريّ الردع الخاصّ والزجر العامّ ، و هنا لا بدّ من " خطوة تنظيم " تعيد ضبط الأمور في سياقها الصحيح .
فالحزم في إنفاذ التشريعات هو واجب السلطة التنفيذية المكلفة بإدارة شؤون الدولة ، وبخلاف ذلك تكون إما ضعيفة أو مشتركة في تعطيل القانون ومتخلفة عن أداء واجباتها الدستورية .
فسيادة القانون هي رافعة المجتمعات و معيار تقدمها ، أما التسامح الاجتماعي أو السياسي فهو رديف الصفح القضائي والذي يأتي في آخر المراحل بعد نفاذ القانون والسير بالخطوات و الإجراءات الكاملة نحو عقاب المخالف ، وليس له أن ينزع الجزاء عن الفعل إبتداءً كما أنه لا يسبغ الشرعية عليه إنتهاءً ، وإلا سيكون هو القاعدة وتطبيق القانون هو الاستثناء ، وما هذا من التسامح في شيء بل هو منفذٌ لمرور الأجندات عبر حالة التسامح المضمونة عندئذ .
و لعلّ أكثر ما يمسّ بسيادة القانون هو التّلويح بإتخاذ الإجراءات التي يوجبها ثم العدول عنها أو التراخي في تطبيقها ، فهذا يوحي إمّا بالمزاجيّة في تطبيقه بحيث يسود شعور بأنه حقٌّ للدولة تستخدمه أو تتركه متى شائت رغم حقيقة انه واجب عليها ،أو يظهرها - الدولة - أنها عاجزة عن تطبيقه وهذا أسوء أنواع الظنّ و أكثرها فتكاً ، و هذا ما يعزّز ظاهرة الإستعصاء .
إنّ هيبة الدولة مقترنة بإنفاذ القانون طوعاً و جبراً ، و تلك مرآة المساواة و الضابط الأوحد لمسيرة المجتمع نحو التقدم و الإنجاز ، و ما من عزمٍ نافعٍ بلا حزمٍ ناجِز ، و خير مثالٍ على ذلك المؤسسة العسكريّة .
فعلى المسؤول ألّا يلتفت لأيّ تشويشٍ يبتعد به عن الموضوعيّة في الأداء ، سواء كان ذلك في المغانم أو المغارم ، فالحزم لا يعني البطش أو التجاوز بل منبعه القانون ووسيلته الإستقامة و هدفه العدالة ، ونقيضه ضعفٌ وعجزٌ وتراجع ، ولم يكن هذا ولن يكون مقبولاً في الدولة الأردنية .
والله من وراء القصد .