من عادة السياسي أن يلقي باللائمة على الإعلام. ليس في العالم الثالث الذي يعاني فيه الإعلام من ضعف جوهري بل حتى في بلد مثل أميركا، كما تجلى في حقبة بوش، وفي بريطانيا تابع العالم المعركة بين توني بلير والبي بي سي. وفي هذا السياق تقرأ تصريحات وزير الداخلية: "إننا نعلم الدوافع ونعلم من يقف خلفها سواء بالتحريض أو بالتضخيم وسنكشف هؤلاء للأردنيين ليعلموا من معهم ومن عليهم".
ليست مشكلة وزير الداخلية وحده، لو حصلت مشكلة مع أي وزارة ستصدر الاتهامات ذاتها. الإعلام بنظر الحكومة هو إعلام حشد وطني وتعبئة أو علاقات عامة وإعلان، بمعنى أن تقدم مارشات عسكرية تمجد الأنا الوطنية وكأن الحرب على الأبواب، أو علاقات عامة وكأن الوزارات شركات اتصالات تتنافس على تقديم العروض.
من حق الإعلام أن يطالب بإقالة رئيس الحكومة ووزير الداخلية ومدير الأمن العام بسبب الأحداث الأخيرة، هذه أبسط الحقوق الدستورية. مع ذلك أنا ضد إقالة أي منهم، فالمشكلة في النهج لا في الأشخاص.
انتهاك الدولة لحقوق الإنسان خروج على القانون والدستور مثل خروج أي مواطن عليهما. وهذا النهج مستمر وبيننا تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي تموله الحكومة حتى لا نقول تقارير إمنستي وهيومان رايتس ووتش.
في معان عندما تغير النهج الحكومي تغير سلوك الناس، عندما تحلت الحكومة بشجاعة الاعتراف بالخطأ هدأ غضب الناس. لا تكفي الإحالة للمحاكمة، ليفعّل قانون محكمة الشرطة الذي ينص على علنية الجلسات.
لا يوجد عاقل يضحي بالأمن والاستقرار. وهذه نعمة محسوسة لا تحتاج إلى شركة علاقات عامة تروجها علينا. إلا أن انتهاك حقوق الإنسان من عوامل تهديد الأمن والاستقرار. ودور الإعلام هو الرصد والمتابعة والتدقيق، لا تلقّي بيانات الحكومة وتلاوتها آناء الليل وأطراف النهار. وخلافا لما يقول الوزير، فإنّ الإعلام مقصر في المتابعة، في استقبال هيفاء وهبي كان أكثر من أربعين كاميرا، في حي الطفايلة أو معان كم كان عدد الكاميرات التي ترصد الحدث؟
نعم، الحق على الإعلام الذي تحشده مأدبة وتفرقه عصا، ولو أن الإعلام الممول من جيوبنا، أي التلفزيون الأردني يقوم بدوره في رصد أخطاء الشرطة كما يحتفي بإنجازاتهم لما تكررت المآسي التي شوهت صورة البلاد. من حقنا أن نسأل أين وزير الإعلام في الأحداث الأخيرة وأين التلفزيون الأردني؟ لماذا لم يكن في معان يوم الدفن ويقدم صورة للمدينة الهادئة على الرغم من عدم تطويق المدينة ونشر المدرعات في الشوارع. لم يكن أي مظهر أمني ولو في الحدود الدنيا.
لسنا ضد الأمن بل ضد تجاوزات الأمن، ولسنا ضد الإعلام، بل ضد تقصير الإعلام. نحتاج إلى تعزيز ثقة الناس برجل الأمن. بدلا من التشكيك بالإعلام، على الأمن أن يفتح محكمة الشرطة العلنية للصحافة، فوجود المحكمة يعني وجود شرطة ترتكب جرائم، والدستور ينص على علنية المحاكم. الشركات الناجحة لديها أفضل المحاسبين والشركات الخاسرة لا تحتاج إلى محاسبين!
الغد