إضراب المعلمين وغياب القيادات والأطر
د. مروان المعشر
09-10-2019 12:39 AM
أما وقد انتهى إضراب المعلمين، فقد حان الوقت لاستخلاص بعض الدروس التي تتجاوز هذه الأزمة والتي لا بد من استيعابها في مقدمة لتغيير حقيقي في طريقة إدارة الدولة للموارد والمؤسسات.
ولعل من اهم دروس هذه الأزمة الكشف عن علة طالما حاول الكثير تغطيتها وهي غياب القيادات الحقيقية المستمدة شرعيتها من الناس والقادرة على استخدام الحكمة والتجربة والشرعية لوضع الحلول اللازمة لحل الأزمات التي تعصف بالبلاد. ولنقولها بصراحة، فقد أدت سياسة خلق القيادات السياسية من الهرم للقاعدة وليس العكس الى فراغ في القيادات في البلاد يشعر به القاصي والداني. فحكوماتنا أضحت في أغلبها مجموعة من التنفيذيين ممن لا يمتلكون مقومات القيادة النابعة من انتخابات ممثلة وممن يفرزها العمل الجماعي الحزبي، بغض النظر عن كفاءة وزرائنا التي لا أشكك بها. كما أن سياسة إجهاض اي تطوير لأحزاب وقيادات حقيقية وشيطنة كل من يحاول القيام بذلك أدت ايضا الى غياب الأدوات الوسيطة التي يمكن لها تجسير الهوة بين الشارع والحكومة.
ومن هذه الدروس ايضا ان سياسة محاولة السيطرة على الكثير من احزاب الموالاة والمعارضة من قبل السلطة سياسة لن تؤدي الى نتائج إيجابية، فالشارع واع ولا يقبل ان تفرض عليه قيادات فرضا. لا تستطيع السلطة خلق احزاب سياسية بالطرق الإدارية أو الامنية أو غيرها كما تحاول ان تفعل احيانا، فالاستقرار الحقيقي يأتي بعد فرز القيادات من قبل الناس، وترك الشعب يميز بين الغث والسمين، وبين النظيف والفاسد، وبين من يملك الحلول ومن يبتغي الوجاهة المصطنعة، وبغير ذلك، فإن القيادات التي لا تأتي من رحم الشارع قلما لديها القدرة على مخاطبة الشارع أو الدولة بمصداقية ونجاعة.
ولعل على رأس هذه الاستخلاصات استيعاب الدرس الأهم وهو انه من الآن فصاعدا، فإن الأمن وحده لن يكون حلالا لكل المشاكل، وإن إدارة البلاد مستقبلا تحتاج لسياسة متكاملة جديدة قادرة على استيعاب التحديات العديدة التي ستواجهنا، ولن تكون أزمة المعلمين آخرها. وفي حين فقدت السلطة التنفيذية أدواتها السابقة، وهي الترهيب بالقوة وذلك بعد العام 2011، وأدواتها المالية وهي الترغيب بالمال بعد أفول النظام الريعي العام 2014، فقد حان الوقت لإدارة الموارد حسب أدوات جديدة عمادها اعادة النظر في كافة أوجه الإنفاق في كافة القطاعات دون استثناء، وكما عمادها البدء بتطوير حقيقي للمؤسسات والأحزاب والقيادات يحيث يشعر المواطن انه حقا شريك في عملية صنع القرار، وبحيث يكون جاهزا لتقبل القرارات الصعبة ما دام يشعر بعدالة التوزيع وسيادة القانون واحترام الدولة له ولحقوقه.
يواجه مثل هذا الطرح دائما بالاتهام بالتنظير السياسي الذي لا يساهم في حل المشاكل الآنية. أزعم ان استيعاب الدروس أعلاه وإدراك ان الأدوات والأولويات السابقة لم تعد تصلح لإدارة البلاد يصب في صلب الحل. اما سياسة الإدارة بالقطعة وسد الثقوب حين تحصل فلن تؤدي لمستقبل مستقر ومزدهر، فالثقوب تزداد وأدوات الدولة الحالية لا تملك ما يكفي لسدها. للمرة الألف، تحتاج الدولة الأردنية لأطر وأدوات جديدة لإدارة البلاد.
الغد