كلمة وحوار الملك في "فالداي" .. المعاني والدلالات
د.حسام العتوم
08-10-2019 01:58 PM
شارك جلالة الملك عبدالله الثاني "حفظه الله" في قمة "فالداي" بتاريخ 30 سبتمبر وحتى 3 تشرين الأول التي استضافت جلستها الحوارية رقم 16 مدينة سوتشي على شاطي البحر الأسود من الجانب الروسي بحضور ومشاركة رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير بوتين، ورئيس كازاخستان قاسم دجومارت، ورئيس اذربيجان الهام علييف، ورئيس الفلبين رودريغو دوتيري تحت شعار النظام العالمي – نظرة من الشرق. والمعروف بأن العالم ليس واحدا كما تريده امريكا من تحت قطبها الواحد غير العادل، وإنما متعدد الاقطاب، وعادل، ومتوازن، تماماً كما تريده روسيا المعاصرة.
و "فالداي" مدينة روسية في محافظة "نوفغورد" ، ومنصة للحوار رفيع المستوى تخصص بداية للحوار في الشأن الروسي عام 2004، ثم تحول لحوار الكبار، ومن أكبر مؤتمراته تلك التي عقدت في البحر الميت في الأردن عام 2009 لاستشراف الشرق عام 2020.
تحدث جلالة الملك عبدالله الثاني باسم الاردن حاملاً هموم العرب من مسلمين ومسيحيين، وقارعاً باب السلام، ومحذراً من وقوع الخطر القادم ذات الوقت. ومن عادة الكرملين الرئاسي في موسكو العاصمة أن يوافق على الزيارة الملكية ويحدد موعدها بعد معرفته لخطوطها الحمراء مسبقاً، والملفت للنظر هذه المرة هو الاصغاء المشترك وباهتمام كبير للقيادة الروسية لخطاب جلالة الملك ولكلمته الحوارية من قبل الرئيس بوتين مباشرة، ومن قبل مساعده يوري اوشاكوف، ووزير خارجيته سيرجي لافروف. ورغم علاقة الأردن القوية بأمريكا، والعلاقة مع روسيا المفترض أن لا تقل شأناً، وبحكم ان امريكا تمثل "السلطة" عالمياً، وروسيا تمثل "المعارضة" وتحرص على التوازن مع امريكا، وتستخدم سياسة الند للند، إلا أن قول جلالة الملك عبدالله الثاني بأن بلاده تدرك أهمية الدور الروسي في المنطقة، وبأنه من دون روسيا، لم يكن ممكنا التقدم في حل العديد من القضايا، مثل عملية السلام في سوريا، وبأن الرئيس بوتين من اكبر الداعمين لمستقبل الشرق الأوسط، والثابت على شراكته مع الأردن، سجل نقطة جوهرية في ميزان التوازن بين الغرب الأمريكي والشرق الروسي إن صح التعبير. وحتى لا نذهب بعيداً فإن لروسيا في المقابل علاقات جيدة واقتصادية مع الغرب تفوق علاقتها مع امريكا ومنها الاقتصادية رغم ارتفاع حجم التبادل التجاري بين روسيا وامريكا بنسبة 9.4% عام 2018، حيث بلغ اكثر من 22 مليار دولار، بينما بلغ حجم التبادل التجاري الروسي الاوروبي 300 مليار دولار. وحسب الرئيس بوتين فإن حجم التبادل التجاري بين روسيا والأردن في صعود بياني وتجاوز النصف مليون دولار، واضعاً الكرة في المرمى الأردني لزيادة صادراته تجاه روسيا، وتأكيد لجلالة الملك على أهمية زيادة حجم التبادل التجاري عبر القنوات الاقتصادية، ومنها العسكرية الدفاعية، والسياحية، وبالخصوص الدينية. وبالمناسبة الأردن متحف حضاري فريد من نوعه في العالم فلدينا البتراء المدينة الوردية، والبحر الميت، والمغطس، ورم، وآثار جرش، وآثار ام قيس، وحمامات ماعين، وسد الملك طلال، والحمة في الشمال، وكنيسة جبل نيبو في مادبا، والعقبة وبحرها الأحمر.
والاقتصاد في بلدنا الأردن محتاج للتحول إلى مرحلة الانتاج الكبير، ونستطيع الاستثمار في الصحراء البالغة نسبتها اكثر من 90%، وان نشجع الاردني على الانتاج فيها، والمواصلات محتاجة إلى تطوير كبير تتجاوز الانفاق، والجسور، والباص السريع. وقدراتنا الدفاعية التي نفتخر بها، وبقواتنا المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي ترنو دائماً إلى تنويع مصادر القوة، وهو الأمر الذي ورد في حوار جلالته مع الجانب الروسي رفيع المستوى. والفت الانتباه هنا إلى ما جاء سابقا على لسان مدير عام مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير (كادبي) اللواء محمد فرغل لجريدة الرأي الأردنية بتاريخ 4/اغسطس 2019 حول أهمية الانتقال من الصناعات التحويلية إلى الدفاعية، والتوجه لتأسيس قاعدة صناعات دفاعية في الأردن.
ومن الجدير ذكره هنا هو بأن جلالة الملك اوصل رسالة هامة لقمة (فالداي) مضمونها (الاسلام فوبيا) أي الخوف غير المبرر من الاسلام، وتلويثه بالإرهاب من قبل الاعلام الاصفر، والمبرمج، والتأكيد على الدور الروسي، وهو الأمر الذي يقابل معاناة روسيا من (الفوبيا الروسية) ذات العلاقة المباشرة بنهاية الحرب العالمية الثانية (الوطنية العظمى 1945)، وما نتج عنها من انتصار سوفيتي محسود من قبل امريكا تحديداً، وبسبب تضرر السوفيت في ثلاثينات القرن الماضي من المجاعة المشتركة Golodomor ، والتي انعكست نتائجها سلباً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي 1991، واصبحت حديث الساعة وسط الدول المستقلة، وفي قلب اعلامها، مثل اوكرانيا، وجورجيا، ودول البلطيق (استونيا، لاتفيا، ولتوانيا)، ولرغبة الغرب الامريكي باستمرار الحرب الباردة وسباق التسلح من خلال حلف الناتو في زمن عزوف روسيا عن حلف وارسو عام 1991، وعن سباق التسلح مع الاحتفاظ بحق التطوير الدائم لسلاحها، وخاصة غير التقليدي عابر للقارات، والمنصات الدفاعية المضادة للصواريخ، والتي بدأت تزود الصين بها مؤخراً رغم استمرار الحرب الباردة من طرف الغرب.
ودعوة هامة لجلالة الملك عبدالله الثاني من خلال كلمته هناك في سوتشي لتحقيق نظام عالمي إيجابي جديد، وتأكيد على ان تصبح قضية الدولة الفلسطينية التي يتم انكارها إلى جانب بقاء التطرف والازمة السورية قضايا عالمية وليست اقليمية فقط. ومن الاهمية ايضاً ان لفت جلالته الانتباه لقضية اللاجئين الثقيلة والمكلفة على كاهل الأردن، وإلى أهمية الحل السياسي في سوريا، وراهن جلالته على الشباب ويشمل الأردني المتمسك بالأمل، وتركيز ملكي على حل الدولتين لانهاء الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي عبر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، والقابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش بأمن وسلام إلى جانب اسرائيل، وفي قول جلالته هذا دحض للاعتقاد الاسرائيلي الذي يقوده نتنياهو، والمعتقد بأن العرب ينادون بزوال اسرائيل، وفي المقابل اعتبر جلالته بأن حماية القدس والاماكن المقدسة، والإرث الاسلامي والمسيحي التاريخي مسؤولية اردنية من خلال الوصاية الهاشمية التي تساندها روسيا، وتتقاسم مسؤوليتها دول العالم.