لن أجامل كثيرا ، وكما لن أبالغ في المديح للمنجز الحقيقي لنقابة المعلمين و الذي صنعه صمود بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى للقائمين على هذه النقابة وأعضائها بقوتهم العددية و الوجودية وأدواتهم التفاوضية و سيطرتهم المحكمة على أهم المؤسسات الحكومية و مغامرتهم بالقطاع التربوي برمته، ومع ذلك لا يمكن أن أصفه بأقل من كلمة منجز حقيقي ، و بهبة شعبية و كأنما لا خيار أخر الا التسليم كما تم بالمطالب .
ولكن يبدو أن الإضراب لم يكن مجرد إضراب اعتياديا أو حالة موصوفة للتعبير عن ظلم واقع وأكيد على شريحة واسعة من ابناء الوطن ، فكان درسا و خطى مقلدة بشكل تتابعي و مباشر ، و يبدو أنها حمى ستنتقل من والى أغلب القطاعات الحكومية بالأمس مع المعلم و اليوم مع الممرض ، ولكن متى سنكون مع الوطن ؟
لا أبيع الوطنيات ، ولا أزكي نفسي فأعلم جيدا أنكم تفوقوني انتماء وخوفا على المصلحة العامة والاردن ، ولكن لماذا نختزل المشاهد ، فطالما نمتلك أدوات مبهرة في تحقيق المطالب ، لماذا قبلنا أن يفعلوا في الأردن ما فعلوا ، لماذا نسمع و نشاهد و نكتفي أن نتناقل قضايا الفساد ( فكما حامل الخمر كشاربه شركاء ) ، فنحن في هذا الوطن أيضا شركاء وفي المسؤولية شركاء ، سكتنا عندما أتيح لنا الحديث ، كنا محايدين الى ان أضعنا الحق ، تعودنا أن نقول (امشي الحيط الحيط و قول يارب الستر) ، الى أن طارت الطيور بأرزاقها ، فــ يد الفساد تمادت و قيدت الأموال العامة في سجل ملفات الهيئات المسؤولة عن النزاهة و الفساد و المحاسبة ، و في أرصدة الفاسدين.
لماذا لم نخلق مشهد مماثل من الفزعة و الخوف على الوطن بكل مافيه شعب و مؤسسات جميعها عبث بها الفساد ، و أين كان أصحاب الصفات التشريعية و صوت الأمة من ذلك ، وأكتفوا بالتمثيل وما علا صوتهم الا من أجل إنارة شارع أو تعبيد طريق ، و سلق العديد من القوانين و البحث عن مكتسبات ورواتب تقاعدية و غيرها من رصيد الثروة و لكن المشروعة بحسب افتراضهم من كد الشعب و تحويشة عمرهم في الضمان الإجتماعي على اعتبار وصفها استحقاق نهاية خدمة شعب لم يرى منهم سوى شعاراتهم ولم يسمع منهم الإ وعود و غيرهم من المؤثرين الذين طفوا للسطح مؤخرا .
ونحن في غفلة من ذلك تجاوز علينا زمرة فاسدة ، نعرفهم و نعلم جيدا من هم و كيف أقتسموا الوطن الى أن أصبحنا دون قوة لنقاوم و نخرج من عنقة الزجاجة المزعومة ، و تركونا تحت رحمة شروط صندوق النقد و القروض و الدول المانحة ، متى سنكون مع الوطن ، وطني يؤلمني ، والوقع يؤلمني بمعطياته أكثر .