في ذكرى الاستقلال"من عبد الله الأول .. إلى عبد الله الثاني"
د. محمد المناصير
24-05-2007 03:00 AM
تحتفل المملكة الأردنية الهاشمية بالذكرى الرابعة والثمانين لاستقلال الدولة الأردنية الحديثة، والذكرى الحادية والستين لإعلان قيام المملكة الأردنية الهاشمية واستقلالها الناجز، ففي عام 1921قامت " إمارة الشرق العربي "، كأول دولة في شرقي الأردن في العصر الحديث، وفي الخامس والعشرين من أيار عام 1923 أعلن استقلال الإمارة باسم " إمارة شرقي الأردن " ، وفي نفس التاريخ من عام 1946 أعلن الاستقلال التام والناجز ، وقيام المملكة الأردنية الهاشمية .
بعد أن تلقى الشريف الحسين بن علي البرقيات من الوطنيين العرب في شرقي الأردن ، لإيفاد أحد أبنائه ليتزعم الحركة الوطنية المناوئة للفرنسيين ، اثر مقتل الوزراء السوريين في خربة الغزالة ، وعصيان أهل حوران ، أوفد الشريف الحسين بن علي الأمير عبد الله إلى سورية ، إلا أن الأمير عبد الله كان على خلاف مع البريطانيين ، لأنهم حالوا بينه وبين السفر إلى العراق ، بعد أن بايعه زعماء العراق المقيمون في دمشق ملكا على العراق ، يوم بايع زعماء سوريا أخاه فيصل ملكا على سورية ، وقد استجاب سموه لرغبة والده الشريف ، ورغبة الوطنيين الأردنيين وشد الرحال إلى شرقي الأردن لاسترداد سورية من الحكم الفرنسي .
وقد ودع الحسين بن علي ابنه عبد الله في مكة المكرمة مباركا خطواته ، ووصل الأمير إلى معان ، قادما بالقطار من المدينة المنورة بعد سفر طويل دام سبعة وعشرين يوما ، بسبب خراب خط الحديد الحجازي ، وحاجة القطار للوقود ، فوصل معان في 11/11/1920. وقد رافق الأمير عبد الله من الأشراف كل من : الشريف شاكر بن زيد ، والشريف علي بن الحسين الحارثي ، وأخوه محسن ، والشريف محمد بن علي البديوي، وخمسة من الأشراف العبادلة ، ومرافقه الخاص القائد حامد الوادي ، وحسين الشقراني ، وجعفر ومنصور بن فتن ، وعقاب بن حمزة ، وعبد الرحيم اللهيمق ، وثلاثة ضباط عراقيين هم : داوود المدفعي ومحمود الشهوتي وسعيد طلال ، والعلامة محمد الخضر الشنقيطي والشيخ مرزوق التخيمي، ومعهم قوة من البدو.
وكان في استقبال الأمير في معان : شيوخ معان والشيخ عوده أبو تايه والشيخ غالب الشعلان وفؤاد سليم ومحمد مريود . وفور وصوله أعلن نفسه نائبا لملك سورية، ودعا أعضاء المؤتمر السوري للاجتماع، وأرسل الرسائل لزعماء شرقي الأردن للقدوم إلى معان، ودعا الجيش السوري للالتحاق به في معان. فوصل إلى معان على الفور كل من : الشيوخ والذوات حمد بن جازي واحمد مريود ومثقال الفايز ومشهور الفايز وحديثة الخريشة و(شيخ العيسى) وحسين الطراونة وعطوي المجالية وسعيد خير وسعيد المفتي والرئيس عبد القادر الجندي والرئيس محمد علي العجلوني والرئيس خلف التل والملازمون : احمد التل ونبيه العظمة وكامل البديري وبهجت طبارة وخليل ظاظا ونور الدين البرزنجي ومنيب الطرابلسي وعمر المغربي ومبروك المغربي وأسد الأطرش وعدد كبير من زعماء وشيوخ عشائر شرقي الأردن .
وأثناء إقامة الأمير في معان ، جاء إليها عوني عبد الهادي حاملا رسالة شفوية من هربرت صمؤيل ، ينصح فيها الأمير بالعودة إلى الحجاز ، وان لا يحرك ساكنا في شرقي الأردن حتى مجيء تشرشل إلى القدس .
إلا أن الأمير لم يستمع لتحذيرات البريطانيين، فأصدر في معان منشورا في 25ربيع الأول سنة1339هـ، ضمنه سبب قدومه، ومبينا دور فرنسا في هدم عرش سورية، وخيانة عهود الحلفاء للعرب، قائلا: " كيف ترضون أن تكون العاصمة الأموية مستعمرة فرنسية ؟ إن رضيتم فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وان غايتنا الوحيدة هي نصرتكم وإجلاء المعتدين عنكم " ، معلنا تجديد بيعته لأخيه فيصل ملكا على سورية ، واقسم سموه يمينا انه سيعود من حيث أتى بعد إتمام مهمته .
إلا أن أعضاء المؤتمر السوري لم يبادروا بالحضور إلى معان ، واشترط الضباط والجنود ضمان تقاعدهم أن لم تنجح الحركة ، أما كامل البديري فقد طلب ثمانين ألف جنيه ، ليؤسس أقلام استخبارات ودعاية ، وكذلك نبيه العظمة طلب مائة وعشرين ألف جنيه للغرض نفسه ، وكان الأمير خالي الوفاض ، لا يملك المال حتى انه اضطر للاقتراض .
وقد سارع الفرنسيون بتقوية دفاعاتهم خشية مهاجمتهم من قبل الأمير عبد الله ، وكاتبوا بريطانيا بهذا الشأن ، متهمين بريطانيا بتمويل الأمير وتزويده بالأسلحة ، فما كان من اللورد كرزون إلا أن استدعى الأمير فيصل في كانون الأول 1920، وابلغه استياء بريطانيا لما اسماه الحوادث التي تقع في شرقي الأردن ، فوصل مندوب الأمير فيصل صبحي الخضراء إلى السلط ، ثم توجه إلى معان ، وراسل الأمير فيصل والده الحسين والأمير عبد الله ، طالبا منهما التريث ريثما يتم هو المساعي السلمية ، وقد هدد الكابتن برنتون زعماء عمان بعدم الاتصال بالأمير ، ثم كاتب الإنجليز الأمير، وكاتبه متصرف السلط مظهر رسلان قائلا : " لقد بلغ الحكومة الوطنية عزمكم على زيارة شرقي الأردن ، فان كانت الزيارة لمجرد السياحة فان البلاد ستقابلكم بالترحيب، وان كانت الأغراض سياسية ، فان الحكومة ستتخذ كل الأساليب المانعة لزيارتكم ". وقد أجابه الأمير : " إنني سأزور شرقي الأردن زيارة احتلالية ، وان الحكومة العربية في سوريا هي التي انتدبتني ، فانا الآن أنوب عن جلالة الملك فيصل ، ويجب عليك أن تعلم ذلك ، كما يجب عليك تلقي الأوامر من معان ، وآلا سيعين غيرك محلك ".
أما حكومة فلسطين فقد أذاعت بيانا في كانون الأول 1920بان الحكومة البريطانية لا تشجع الأمير عبد الله ، ولا تستحسن الحركة التي يقوم بها لمهاجمة الفرنسيين . وقام سعيد خير والوطنيين الأردنيين في عمان بدعوة الأمير للقدوم إلى عمان ، رغم التهديد والتحذير من ممثلي بريطانيا ، فأوفد الأمير عبد الله الشريف علي بن الحسين إلى عمان ، وعين له محمد علي العجلوني مستشارا عسكريا ، وفي محطة زيزياء استقبلهما الشيخ مثقال الفايز على راس ألف فارس من بني صخر وعشائر البلقاء ، وجموع من أهالي شرقي الأردن ( البلقاء وعجلون والكرك) ، ثم انتقل الشريف إلى عمان ، رغم معارضة الكابتن بيك مفتش الدرك العام والين كركبرايد ضابط الارتباط ، ووفد إلى الشريف الحارثي في عمان أهالي شرقي الأردن والأحرار السوريين والعراقيين ، وبعض الضباط العراقيين والسوريين منهم : عبد القادر الجندي وبهجت طبارة وجلال القطب وراضي عناب واحمد صدقي الجندي وطارق الجندي ، وكان الوافدون يقسمون اليمين في عمان للوقوف إلى جانب الأمير عبد الله . وقد راسل الحارثي بعض الوطنيين منهم من شرقي الأردن منهم : علي خلقي الشرايري وقاسم الغرايبة ، كما أرسل إلى عموم مشايخ عجلون . وبعد عمان توجه الشريف الحارثي إلى السلط بموكب كبير وقوة عسكرية من الفرسان .
وحاول الإنجليز تهدئة حركة الأمير بتهديد والده الشريف حسين ، فقد أرسل السكرتير المدني في حكومة فلسطين رسالة إلى المعتمد البريطاني الميجور سمرست في كانون الأول 1920 أكد فيها ذلك ، وفي الوقت نفسه استدعت الحكومة البريطانية الملك فيصل للتباحث معه ، فالتقاه المستر تشرشل ، فاتفق الطرفان على أن تعهد بريطانيا للعرب بإدارة شؤونهم في العراق وشرقي الأردن ، وان تشجع بريطانيا انتخاب فيصل ملكا على العراق ، والتفاهم مع الأمير عبد الله ليتولى أمور شرقي الأردن . وقام تشرشل ومعه لورنس بزيارة الشرق الأوسط ، ثم عقد مؤتمرا في القاهرة في 12اذار 1921 حضره مندوبون عن سلطات الانتداب في العراق وشرقي الأردن ( الميجور سمرست والكابتن بيك )، وقد قرر المؤتمرون تنفيذ نتائج اجتماع فيصل ـ تشرشل .
واجتمع الوطنيون في عمان ، وقرروا دعوة الأمير للقدوم إلى عمان ، وكان ممن حضر الاجتماع : سعيد خير وسعيد المفتي وكامل القصاب وأمين التميمي وعوني القضماني وعوني عبد الهادي ويوسف ياسين وسليمان النابلسي ، وانضم إليهم مظهر رسلان متصرف السلط .
وفي 29شباط 1921 انتقل الأمير بالقطار من معان إلى عمان، فودعه شيوخ العشائر والزعماء وضباط سوريا وفلسطين والعراق وشرقي الأردن فخاطبهم قائلا: " كلكم يعلم ما حل بالبلاد، وإننا نرى دماءنا وأموالنا رخيصة في سبيل الوطن وتخليصه. ولقد قطعتم الفيافي والقفار والتحقتم بنا للذود عن البلاد والأعراض، وقد كان سعيكم سعيا مشكورا وعملا مبرورا. بارك الله فيكم وحيا شعوركم الصادق. إنني الآن مودعكم وأود أن لا أرى بينكم من يعتزي إلى إقليمه الجغرمنها.بل أحب أن أرى كلا منكم ينتسب إلى تلك الجزيرة التي نشانا وخرجنا منها. والبلاد العربية كافة هي بلاد كل عربي ".
وفي 30 شباط وصل الأمير عبد الله إلى القطرانة ، فقابلته وفود الكرك والطفيلة ، وفي زيزياء استقبله شيوخ بني صخر وعباد والعجارمة ، ووصل الأمير إلى عمان في 2 آذار 1921، 22 جمادى الثانية 1339 . ووفد إليه شيوخ العشائر ووجوه النواحي . وقد احتفلت بلدية عمان بقدومه ، وتسابق الخطباء والشعراء للترحيب به ومنهم الشيخ كامل القصاب . ورد الأمير مخاطبا الجمع قائلا : " انه ما جاء بي إلا حميتي ، وما تحمله والدي من العبء الثقيل ، ولو كان لي سبعون نفسا لبذلتها في سبيل الأمة ، ولما عددت نفسي أني فعلت شيئا ".
وبوصول الأمير عبد الله إلى عمان ، انتهى عهد الحكومات المحلية ، وهي حكومة عجلون برئاسة على خلقي الشرايري ، مع الميجور سمرست ، وتكونت من محمد المحمود وسالم الهنداوي وقويدر السليمان وعبد الرحمن الرشيدات وناجي العزام ومحمود الفنيش وتركي الكايد واحمد مريود وسعد العلي وسليمان السودي ومصطفى حجازي ومحمد السعد ، وانبثق عنها عدة حكومات ونواحي : (حكومة دير يوسف برئاسة كليب الشريدة ، وعضوية محمد الحمود وسالم الهنداوي وعقلة محمد النصير وسالم الابراهيم ومحمد سعيد الشريدة واحمد العلي ، وحكومة ناحية عجلون برئاسة راشد الخزاعي زعيم عشيرة الفريحات وتولى إدارة هذه الحكومة علي نيازي التل ، وعبد الله الريحاني قيادة الدرك ، وحكومة جرش برئاسة آل الكايد وإدارة محمد على المغربي والضابط مانكتون ، وناحية الوسطية برئاسة ناجي العزام ، وناحية الرمثا برئاسة ناصر الفواز )، وحكومة السلط برئاسة مظهر رسلان المتصرف من العهد الفيصلي بمشورة الميجور كامب ، وشكل مجلس شورى من سعيد الصليبي ومحمد الحسين ونمر الحمود والخوري أيوب الفاخوري وإسماعيل السالم وبخيت الابراهيم وسعيد المفتي وشمس الدين سامي وسيدو على الكردي وماجد العدوان وإبراهيم شويحات . , وحكومة الكرك ، التي أطلقت على نفسها مسمى الحكومة العربية المؤابية ، برئاسة المتصرف رفيفان المجالية ومساعدة المعتمد الميجور كلنفيك وبعد أسبوعين حل محله الميجور اليك كركبرايد وتكون المجلس العالي لحكومة الكرك من عطوي المجالية وحسين الطراونة وسلامة المعايطة والخوري عوده الشوارب وعوده القسوس وعبد الله العكشة ونايف المجالية وموسى المحيسن وعبد الله العطيوي وشكلت محكمة الكرك برئاسة عطا الله السحيمات وعضوية ممدوح المجالية وحنا العمارين ومتري الزريقات ويوسف العكشة وعوده القسوس مدعي عام ومن موظفي حكومة الكرك عطالله الطراونة قائد المنطقة وعبد القادر الجبور مأمور تسجيل وسابا العكشة رئيسا لكتاب المحكمة وفلاح المدادحة كاتبا للضبط وعبد ربه الرماضين قائدا للدرك وعمران المعايطة مديرا للرسائل وطاهر أبو طيور محاسبا وحنا العمارين سكرتيرا للمجلس العالي والشيخ عارف طهبوب قاضيا للشرع ومصطفى المحيسن قاضيا للشرع في الطفيلة وحسين رمضان محاسبا .
وبعد ان استقر الامير عبد الله بن الحسين في عمان عين عوني عبد الهادي رئيسا لديوانه في عمان ، وأرسله برسالة إلى المندوب السامي في القدس ، يخبره فيها انه قدم إلى عمان ، ولا غاية له إلا تحرير سورية . وأعلن انه نائبا لأخيه ملك سورية، وان شرقي الأردن جزءا من مملكة فيصل. كما أرسل رسالة إلى السوريين في 15 آذار 1921 ، ووصل وفد من جبل الدروز إلى عمان ، برئاسة رشيد طليع وفي معيته حشد كبير من فرسان جبل العرب .
ثم توجه الأمير إلى القدس للقاء تشرشل فيها ، وزار الأمير السلط في طريقه إلى القدس ، وأقام بها ليلة ، ثم انتقل إلى أريحا ، والتقى أعيان فلسطين وعلى رأسهم : موسى كاظم باشا الحسيني . قبل أن يلتقي بتشرشل في يوم 29 آذار 1921، وكان رشيد طليع مرافقا للأمير وكذلك عوني عبد الهادي وعدد كبير من الاستقلاليين العرب منهم : احمد مريود وأمين التميمي ومظهر رسلان وغالب الشعلان ، وقد اخبر تشرشل الأمير بعزم بريطانيا على مساعدة فيصل ليكون ملكا على العراق ، لعدم رغبة فرنسا برجوعه إلى سورية ، وموافقة بريطانيا على إقامة إدارة مدنية في شرق الأردن ، إلى أن يتم الظفر بوحدة سورية بزعامة الأمير عبد الله ، واتفق على أن يزور الوزير البريطاني عمان ، التي تم الاتفاق على إقامة حكومة وطنية مستقلة فيها ، الى ان تحل مسألة سورية مع الفرنسيين .
وكلف الأمير عبد الله رشيد طليع بتأسيس الحكومة الأولى ، في 11/4/1921 ، وأصبح طليع رئيسا لمجلس المشاورين وسمي الكاتب الإداري ، وتألفت الحكومة من كل من : الأمير شاكر بن زيد واحمد مريود وأمين التميمي ومظهر رسلان وعلي خلقي والشيخ محمد الخضر الشنقيطي وحسن الحكيم الذي دعي من مصر . وفي 27 نيسان قرر مجلس المشاورين أن يكون اسمه (الهيئة المركزية) ، وكان مكونا من الكاتب الإداري والمشاور الملكي ومشاور المالية والأشغال ومشاور الأمن والانضباط ، وانتدبت الحكومة البريطانية المستر ابرامسون ليكون معتمدا بريطانيا.
وقد استكمل تأسس الجيش العربي في عمان ، بعد أن أسست نواته في معان برئاسة الرئيس عبد القادر الجندي ، فساهم الكابتن برانتون بتأسيسه في عمان
وفي آب 1921 أعيد تشكل الحكومة الثانية برئاسة مظهر رسلان ، وأصبحت تسمى مجلس المستشارين . وبتوصية من الشريف حسين ألف علي رضا الركابي حكومة في شرقي الأردن في 10 آذار عام 1922 .
وفي تموز 1922 لجاء سلطان باشا الأطرش إلى شرقي الأردن ، بعد أن اصطدم مع الفرنسيين في قريته ( القرية) ، بعد أن اعتقل الفرنسيون المجاهد ادهم خنجر في منزله وهو غائب ، وأعدموه في بيروت ، فثار سلطان الأطرش على الفرنسيين ، وغادرها إلى شرقي الأردن . وطالب الفرنسيون بتسليم سلطان وإخراجه من أراضي شرقي الأردن ، إلا انه بقي فيها إلى أن أصدر الفرنسيون عفوا عنه ، وعاد إلى قريته مرفوع الرأس والكرامة .
وفي هذه الفترة حدث عصيان الكورة بزعامة كليب الشريدة ، فقد كان كليب قد رفض وأهل ناحيته الخضوع لحكومة اربد المركزية ، إبان عهد الحكومات المحلية ، فلم يدرك كليب التطور الذي حدث بعد قدوم الأمير وإقامة حكومة محلية في عمان ، وطالب أن تنشأ في الكورة مديرية ناحية تتبع إلى عمان مباشرة ، وبعد أن باشر متصرف عجلون بجمع الأموال الأميرية وتحصيل الضرائب وتعداد الأغنام في الكورة بفضل مساعدة نجيب الشريدة ، إلا أن المفرزة المرافقة لمأموري الضرائب ، اصطدمت مع عدد من أفراد عشيرة الشقيرات مما أدى إلى مقتل قائد المفرزة ، واستدعت الحكومة كليب إلى اربد ليساعد في حل المشكلة ، إلا انه خشي اعتقاله وامتنع عن المجيء . وعم العصيان الكورة فأرسلت الحكومة المركزية في عمان قوة للسيطرة عليها في 12 أيار 1921، إلا أن الدليل ضلل القوة وأوقعها في كمين محاط بالمقاتلين من قرى زوبيا ورحابا وتبنه وعنبه ودير أبي سعيد وكفرالما وكفركيفيا وزمال وسموع وجنين ومرحبا وغيرها ، وسلبت أسلحة المفرزة وخيولهم ، وبعد مقتل خمسة عشر جنديا واثنين من الأهلين ، اضطر كليب لإطلاق سراح الأسرى أمام تهديد الحكومة ، إلا انه رفض تسليم القائمين بالعصيان . وقررت الحكومة أن تدفع الكورة دية للقتلى وإعادة الأسلاب ، ولما زار الأمير قرية سوف التجأ إليه كليب الشريدة معلنا خضوعه ، فأصدر الأمير عفوا عنه ، وفي العام التالي أرسلت الحكومة قوة فرضت السيطرة التامة على المنطقة وأخضعتها للحكومة.
وفي هذه الأثناء تعرضت مناطق من شرقي الأردن للغزو الوهابي ، بعد استيلائهم على تيماء وخيبر والجوف ، وبعد سقوط إمارة ابن رشيد في حايل ، فقد عرض ابن شعلان على الأمير عبد الله إلحاق الجوف ووادي السرحان بشرقي الأردن ، إلا أن الإخوان سيطروا عليهما ، وتقدموا باتجاه شرقي الأردن ، وفي 22 آب 1922 تمكنوا من الوصول إلى منازل بني صخر في الطنيب والمشتى ، إلا أن بني صخر ومن معهم وتمكنوا من ردهم ، وأرسلت قوة من عمان بعد أن رفض المعتمد البريطاني إشراك الطائرات والمصفحات في القتال ، وقتل من المهاجمين من قتل ، واسر من اسر ، ومات من العطش والجوع من مات ، ثم عفي الأمير عن الأسرى وعاد نصفهم إلى بلادهم . وفي أيلول 1922 أرسلت حكومة شرقي الأردن قوة مكونة من 250 جنديا لاحتلال قلعة كاف في قريات الملح ، فاحتلت المنطقة لتامين الحدود الشرقية ، وأبقت الحكومة فصيلا عسكريا في القلعة مكون من 50 جندي رابطوا في القلعة إلى خريف 1924 .
وفي 24 تموز عام 1922 كان مجلس جمعية الأمم قد اقر صك الانتداب البريطاني على فلسطين وشرقي الأردن ، وعينت الحدود مع الأقطار المجاورة فلسطين وسورية ، وزار الأمير لندن في 14 تشرين الأول 1922 ، فانتدبت الحكومة البريطانية السير جلبرت كلايتون لمفاوضته ، فطالب الأمير بان تكون شرقي الأردن مستقلة استقلالا تاما وان يعطى لها منفذ بحري على البحر المتوسط ، إلا أن وزارة لويد جورج سقطت بعد ثلاثة أيام من ابتداء المباحثات ، وأدى تخلي تشرشل عن وزارة المستعمرات إلى توقف المحادثات ، إلا أن "بونار لو" ألف الوزارة البريطانية في 25 تشرين الأول ، واستؤنفت المباحثات بقيادة الركابي من الجانب الأردني ، واتجه الأمير إلى الحجاز لزيارة والده ، وعاد إلى شرقي الأردن في 1/1/1923 .
وقد نتج عن محادثات الركابي ـ كلايتون ، توجيه مذكرة توافق بريطانيا بموجبها على عقد معاهدة مع شرقي الأردن ، واعتراف حكومة بريطانيا بحكومة نيابية مستقلة في شرق الأردن ، تحت حكم الأمير عبد الله بن الحسين . حيث أعلن استقلال الإمارة في 25/5/1923 ، وكان معتمد الإمارة البريطاني يخابر وزير المستعمرات مباشرة ، كما كانت الحكومة الأردنية تخاطب الحكومة البريطانية مباشرة دون وساطة المندوب السامي أو المعتمد البريطاني ، وأثناء غياب الأمير عبد الله في رحلته إلى بريطانيا ، نقل الأمير شاكر مركزه إلى السلط ، وانتقلت معه دوائر الحكومة المركزية ، كون عمان قرية صغيرة ولا يوجد متسع لمكاتب الحكومة ، وقد بقيت السلط عاصمة لمدة ثلاثة أشهر.
وفي هذه الأثناء نشبت حركة العدوان بزعامة سلطان العدوان وابنه ماجد الذي كان يعتبر زعيما تقليديا لمنطقة البلقاء ، فقد اعترض على تولي الإدارة في شرقي الأردن لأشخاص من سورية ولبنان والعراق وفلسطين ، إذ كان يؤمن سلطان بشعار " الأردن للأردنيين " الذي رفعه مصطفى وهبي التل ، فقام في 6/9/1923 بمهاجمة المخافر الحكومية في ناعور ووادي السير وصويلح ، وقد أدى مقتل احد المشاركين في الحركة من قبيلة العجارمة وهو صايل الشهوان إلى تفرقهم وفشل الحركة . ولجأ سلطان العدوان وأولاده ماجد ومنصور وعبد الحميد وعلي إلى جبل الدروز ، حيث لجأ هناك إلى عام 1924 ، حين مجيء الملك الحسين بن على إلى شرقي الأردن. فصدر عفو عام عن الجميع .
وفي هذه الأثناء ألغى الأتراك الخلافة ، فبويع الشريف حسين خليفة للمسلمين في 11/3/1924 في بلدة الشونة في شرقي الأردن ، من قبل وفود فلسطين ، وفي 14/3/1924 بويع في عمان من قبل أهالي شرق الأردن ووفود الأقطار العربية والإسلامية ، إلا أن بريطانيا طلبت من الشريف مغادرة شرقي الأردن ، فاضطر إلى مغادرتها في 20/3/1924 .
وعقد مؤتمر في الكويت في كانون الأول 1923 لمعالجة مسالة الحدود وقد حاولت الوفود المشاركة حل مشكلة الحدود بين نجد والحجاز والعراق وشرقي الأردن ، إلا أن المؤتمر فشل لتعنت الأطراف في مواقفها ، ولذلك تم غزو شرقي الأردن من قبل الوهابيين في 14/8/1924 ، إلا أن القوة صدت من قبل قوات حكومة شرقي الأردن والآهلين . وفي 2/11/1925 وقعت اتفاقية الحدود بين الأردن ونجد والحجاز إذ وقعها السلطان عبد العزيز والسير جلبرت كلايتون مندوب الحكومة البريطانية بصفتها الدولة المنتدبة على شرقي الأردن.
وفي تشرين الأول 1924 غادر الشريف الحسين الحجاز إلى العقبة بعد أن ترك الملك لابنه علي ، وفي 28 أيار 1925 وجه قائد البارجة فورن فلاور إنذارا إلى الحسين باسم الحكومة البريطانية لمغادرة العقبة ، فغادرها إلى قبرص بعد أن رفضوا إقامته في يافا أو حيفا ، إذ وصل إلى قبرص على متن البارجة دلهي في 18/6/1925 ، وبقي فيها إلى أواخر أيار 1931 ، وتوفي في عمان في 4/6/1931 ، ودفن في الحرم القدسي الشريف .
في شهري شباط وآذار 1926 حدثت اضطرابات في وادي موسى إذ هاجم الأهلون الجنود وطردوا الموظفين ، وقد تمكنت قوات الحكومة من إخمادها ، ثم أصدر الأمير عفوا عن الفاعلين .
وفي 20/2/1928 وقعت المعاهدة الأردنية البريطانية في مدينة القدس. وفي نيسان 1929 انعقد المجلس التشريعي الأول ، وأصبح مكونا من عدة أشخاص من البلاد منهم : عن لواء عجلون : نجيب الشريدة وعقلة محمد النصير وعبد الله الكليب الشريدة ونجيب أبو الشعر ، وعن البلقاء : سعيد المفتي وعلا الدين طوقان وشمس الدين سامي وسعيد الصليبي ومحمد الإنسي وبخيت الابراهيم ، وعن لواء الكرك : عطا السحيمات ورفيفان المجالية وعودة القسوس ، وعن لواء معان : صالح العوران ، وعن البدو : الشيخ حمد بن جازي عن بدو الجنوب ، والشيخ مثقال الفايز عن بدو الشمال .
وقد صدر الميثاق الوطني الأردني عن المؤتمر الوطني الأردني في 25/7/1928 ، والذي أكد على الاستقلال التام ، وعدم الاعتراف بوعد بلفور ، وقد تألفت لجنة تنفيذية من كل من : عن عمان ؛ هاشم خير وسعيد المفتي وطاهر الجقة وشمس الدين سامي وشاهر الحديد وطارق سلمان ، وعن البلقاء ؛ مثقال الفايز وحديثة الخريشة ومحمد الحسين ونمر الحمود ونمر العريق وسالم أبو الغنم وماجد العدوان وسليم البخيت ويوسف طنوس ، وعن لواء عجلون ؛ راشد الخزاعي وسليمان السودي وعلي نيازي وعبد العزيز الكايد وسلطي الابراهيم ومحمد العيطان ، وعن الكرك ؛ حسين الطراونة وعطوي المجالية وعط الله السحيمات وسلامة الشرايحة ومصطفى المحيسن ، وعن معان ؛ حمد بن جازي وإبراهيم الرواد وخشمان أبو كركي ومحمد قباعة ، كما حضر المؤتمر كل من : محمد العواد وإسماعيل السالم وطاهر أبو السمن واحمد الخطيب وصالح خليفة وفلاح الحمد وسعيد عطية وعبد الرزاق الحاج سالم وعبد الله الفرح وعيسى قعوار وسعيد أبو جابر وعبد الله الداوود وفوزي النابلسي وعبد الحليم العميري ومحمد المبارك والحاج كلمات وحسين الخاص وعبد الله دعيبس ومطلق أبو الغنم وحامد الشراري وسليمان مطر وعبد الكريم محمد ، ومحمد الرفاعي وسيدو الكردي وعبد الرحيم جردانة وعلي الكردي وأبو الخير الكردي وإسماعيل حقي ويوسف البلبيسي ومحمد سعيد حلاوة ورضا القاسم وفالح السمرين وسالم السعد ومحمود الفنيش وتركي الكايد وناجي العزام ومحمد السعد وسالم الهنداوي ومراد صقر ومحمد أبو بقر وسعود العلي وعبطان الغرير وحسين حسن محرم ومحمد المفلح وسالم المحمد وزعل العودة الله ومفلح السعد ومنصور القاضي .
وفي 1926 تغلب الفرنسيون على ثورة سورية الكبرى ، فلجا سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة إلى شرقي الأردن ومعه عدد كبير من أعيان جبل العرب ورجال الثورة ، فأقاموا أولا في الأزرق ومنها انتقلوا إلى العمري ثم إلى موقع حديثة في وادي السرحان وأخيرا نزلوا الكرك ، وبقوا فيها مع عائلاتهم إلى عام 1937 عندما عادوا إلى سوريا ، وعين الاميرعبدالله زيد الأطرش شقيق سلطان مرافقا فخريا لسموه .
وفي 7 تشرين الأول 1944 وقعت الدول العربية بروتوكول الإسكندرية لتأسيس جامعة الدول العربية وقعته حكومات الأردن ومصر والعراق والسعودية وسوريا ولبنان واليمن.
وفي 25/5/1946 أعلن الاستقلال التام لشرقي الأردن باسم المملكة الأردنية الهاشمية، وتم رفع الانتداب عنها، وعدل القانون الأساسي لهذا الشأن، وتقدمت الأردن لعضوية منظمة الأمم المتحدة إلا أن روسيا استعملت حق النقض الفيتو بداعي عدم وجود علاقات بينها وبين الأردن. وعقد الحكومة معاهدات مع بريطانيا ومع تركيا واسبانيا والعراق ، وقامت الأحزاب في الأردن وظهرت المعارضة.
وقد خاض الجيش العربي الأردني حرب 1948 وتمكن من إنقاذ القدس والضفة الغربية ، فعين الملك عبد الله الأول عددا من الحكام العسكريين على الجزء المحرر من فلسطين ، فعين احمد حلمي حاكما على القدس وعارف العارف في رام الله ومصطفى الرفاعي في الخليل وإبراهيم هاشم حاكما عسكريا عاما ، وعين بعده عمر مطر ، ثم عين صالح المجالية حاكما عسكريا للخليل . ثم صدر قانون الإدارة العامة في فلسطين في 16 آذار 1949 ، فألغيت وظائف الحكام العسكريين الأردنيين في فلسطين وتولى أعمال الإدارة موظفون مدنيون ، فعين عمر مطر حاكما إداريا عاما للمناطق التي يسيطر عليها الجيش الأردني في فلسطين ، وعينت الحكومة الأردنية متصرفين مدنيين لكل من ألوية القدس ونابلس والخليل ، ثم عين فلاح المدادحة حاكما ادريا وواليا للقدس الشريف ، وتلاه راغب النشاشيبي ، وفي كانون الأول أنهيت مهمة الحاكم الإداري العام وربط متصرفو الألوية بوزير الداخلية . وأحدثت وزارة للاجئين الفلسطينيين تولاها راغب النشاشيبي ، واستمرت الوزارة إلى وحدة الضفتين عام 1950 بعد عقد مؤتمرات في عمان برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي وأريحا برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري رئيس بلدية الخليل ، أعلن الفلسطينيون فيها مبايعة الملك عبد الله ملكا عاما على فلسطين كلها . وقد أبرقت قرارات المؤتمرات الفلسطينية إلى الحكومات العربية وجامعة الدول العربية ، وقد وافق مندوبو الدول العربية في مؤتمر لوزان على الوحدة بين الأردن وفلسطين ، حيث أن إنشاء حكومة فلسطينية يعتبر اعترافا بالتقسيم وتدويل القدس ، وتشكل مجلس نواب من الضفتين ، حيث أصبحت المملكة بضفتيها تتكون من 18 لواء ، وفاز في الانتخابات من فلسطين عن القدس عبد الله نعواس وكامل عريقات وأنور نسيبة ، وعن بيت لحم توفيق القطان وعبد الفتاح درويش ، وعن الخليل عبد الله بشير عمرو ورشاد الخطيب ورشاد مسودي وسعيد العزة وعن نابلس قدري طوقان وحكمت المصري ومصطفى بشناق وعبد المجيد أبو حجلة ، وعن جنين عبد الرحيم جرار وتحسين عبد الهادي ، وعن طولكرم كمال حنون وحافظ الحمد الله ، وعن رام الله موسى ناصر وخلوصي الخيري وعبد الله الريماوي .
ووافق مجلس الأمة على وحدة الضفتين في 24/4/1950 ، وقد عارض اليهود وحدة الضفتين بينما اعترفت بها بريطانيا .
وفي 20 تموز 1950استشهد الملك عبد الله الأول وهو يدخل المسجد الأقصى ، وكان الأمير طلال ولي العهد يستشفي في أوروبا ، فتولى الأمير نايف الذي عين وصيا للعرش ، وفي 6 أيلول عام 1950 عاد الملك طلال إلى البلاد وتولى الحكم ، ونودي بالحسين بن طلال وليا للعهد في 9 أيلول ، وفي أيار 1951 غادر الملك طلال البلاد للاستشفاء ، وتحول العرش إلى الملك الحسين بن طلال تحت مجلس وصاية إلى أن يتم السن القانونية في 2 أيار 1953 ، وتولى بعده جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين في 1999.
وهكذا أسست إمارة الشرق العربي في الأردن عام 1921 ، وفي 25/5/1923 أعلن استقلال شرقي الأردن عن الانتداب البريطاني، ، باسم امارة شرقي الأردن ، على يد الملك المؤسس عبد الله بن الحسين ، الذي ما توانى يوما في تحقيق آمال العرب بالحرية والاستقلال ، وعمل جاهدا لتخليص فلسطين من الاحتلال البريطاني وسيطرة العصابات الصهيونية على أنحاء واسعة من فلسطين ، وقد تمكن من تخليص القدس من الانتداب والاحتلال ، وقامت المملكة الأردنية الهاشمية في 25/5/ 1946، كمملكة مستقلة استقلالا تاما .
* مؤرخ وإعلامي أردني