ونحنُ نموتُ أيضا يا سمير أبوهلالة.
فاعبرْ كلّ برزخٍ ممكنٍ إلى حياة غزيرةٍ وممطرة، مثل جبلٍ يمشي سريعاً إلى آخر البركان، ويترك للأشجار أن تختار بين السفح أو النار التي ترتعد من فرط الألم.
خذ بأيدينا لنذهب معك، قبل أن نخونك كثيرا، ونهتف للطغاة، ونرفع لهم أناشيد، وأباريق، ليشربوا من دمنا، ويجعلوا من قاماتنا مناجلَ محنية على سنابل من قشٍّ وغرورْ.
خذنا معكْ. نحن هنا منذ ألف موتٍ لا ندري من عاشَ، ومن خانَ، ومن صاحَ ذات نيسان: أيتها الأرضُ أقيمي لنا سرجاً من الريح، أو اتركينا نصفق حين يصفرّ الصولجان.
خذنا قليلا إلى التوابيت المفتوحة في اصطفاف كثيف ، لعلك لا تنساه. فهو مثلك اصطف مع الجمر، وأشعّ مثل الحصى في سيل معان.
خذنا معك. لا تدع الخيلَ مسروجةً دون غبارٍ يليقُ بالصهيل. لا تدع الطغاةَ يحلمون بحراثة أجسادنا، ولا تدع المسرات لهم، لا تدعها دون مآتم تُصفق فيها الطيورُ. عليك بهم واحداً واحداً. وعليك بنا نحن الذين نعيش معكْ.
كأننا قبائلُ من ريشٍ، أو كأننا أراملُ في حدادٍ طويلْ.
أقول: خذنا معك إلى شعاب مكة، التي لا نعرفها. هل تذكر "مكة والطائف سلّمتْ.." أم أن البيتَ يضيقُ بالصحب حين يتسامرون، ولا عزاءَ للقهوة، لا فناجينَ للبكاء، ولا دموعَ في الكؤوس، ولا فؤوسَ لحطابين تركوا أشجارهم تحت حراسة النار، ولا عيونَ حمراء تقدح من فرط الرجولة.
أيها الرجل. حين تعودُ إلينا. كنْ على رؤوس أصابعك خوفاً على رؤوسنا. وضعْ يدكَ على قلبك، لتكن حرزاً على قلوبنا. فنحن نموتُ معك. وكنْ حاضرا في غيوبنا، لئلا يكثرَ الشوك في "الطور" .. ولئلا تستبيحَ العتمةُ شمساً صغيرةً تركتها تحت مخدعكْ.
سلاماً عليك. سلاماً معك. ها أنتَ في الطريق إلى سطح معان، أو إلى صحراء النقب، أو ربّما إلى ياسمين لم يودعك برائحةٍ وتلويحةٍ ..وابتسامة تشبهكْ.
"مكة والطايفْ سلّمتْ"..
وأنت تريدُ الذين يزرعونَ وردتكْ.
وأنت لا تطيعُ،
لأنكَ لا تطيعُ الذينَ يخونون شمعتكْ.