جدل الحكومة والإسلاميين غير مفيد وغير مثمر للديمقراطية الأردنية
باتر محمد وردم
24-05-2007 03:00 AM
لا يوجد اي عنصر مفيد للمسيرة الديمقراطية الأردنية في الجدل المحتدم مؤخرا بين الحكومة والإسلاميين ، وإن دل الجدل على شيء فهو الخواء والفراغ التام في الحياة السياسية الأردنية إلى مستوى المناكفة البدائية بين السلطة التنفيذية والحزب الذي يفترض أنه الأكبر في الأردن ، وسيصبح الحزب الوحيد فعليا بعد سريان بنود قانون الأحزاب الجديد.من الصعب تحديد أصل هذا الجدل ، فالإسلاميون لديهم قناعة بأنهم مستهدفون منذ طلوع الشمس وحتى قيام الليل ، وأن كل تصريح أو فعل أو قانون في الأردن موجه ضدهم ، وقد وصلوا في الواقع إلى مرحلة من المبالغة التي باتت تثير الكثير من الإنزعاج وربما حتى لا تقنع كوادرهم المهتمة حاليا بتحقيق أكبر قدر من التأثير السياسي في الانتخابات البلدية والنيابية القادمة. الحكومة في المقابل ابدت غضبها من إصرار الإسلاميين على الإستعانة بمصادر الأخبار الإسرائيلية لنقد السياسات والتوجهات الأردنية بدون حتى محاولة التأكد من صدق هذه الأخبار.
يمكن أن نعيد المناكفة إلى حوالي سنة مضت والحدث المحوري الذي ساهم في كسر الحد الأدنى من الثقة بين الحكومة والإسلاميين وهي زيارة بعض النواب الإسلاميين لبيت عزاء الزرقاوي واعتقالهم واتهامهم من قبل الحكومة ، وكل ما حدث بعد ذلك من مناكفات يعود بشكل أساسي إلى هذه الحادثة. أطراف أخرى دخلت على ساحة الخلاف ، فرئيس مجلس النواب المهندس عبد الهادي المجالي كان صادقا في قوله أن الإسلاميين لا يملكون برنامجا للحكم بل قدرات مالية وتنظيمية عالية مبنية على الشعور الديني ، ولكن نائب أمين عام جبهة العمل الإسلامي د. رحيل غرايبة كان ايضا صادقا في قوله أن المجالي لم يستطع تشكيل كتلة سياسية متجانسة في السابق ، والمحصلة النهائية لهذا الجدل أنه بالفعل لا يوجد في الأردن اي تيار سياسي قادر على تشكيل برنامج وطني قابل للتنفيذ يخرج عن نطاق الشعارات والمناكفات.
ثنائية الحكومة - الإسلاميين هي حجر العثرة الأول أمام تطور الحياة الديمقراطية في الأردن ، ولكن لا يتحمل الوزر الطرفان فقط. صحيح أن الحكومة تفضل أن تتعامل مع معارضة إسلامية متهمة بنقص البرامج وتغليب العواطف وقابلة دائما للإتهام بالتطرف ، وصحيح أن الإسلاميين يحبون دائما لعب دور الضحية المستهدفة لزيادة شعبيتهم والسيطرة على ساحة "المعارضة الوطنية" ولكن من المؤكد أن الضعف في هياكل الأحزاب والقوى السياسية الأخرى قد ساهم في هذه الثنائية ، إضافة إلى التشريعات غير المواتية للعمل الحزبي وآخرها قانون الأحزاب. يستطيع حزب جبهة العمل الإسلامي أن يحقق الإنتصار المعنوي السياسي في أية مواجهة مع الحكومة ، لأن الرأي العام سوف يتعاطف معه باعتباره مستهدفا حتى لو كان في ذلك بعض المبالغة ، وكما قلنا فإن هذه "اللعبة" مفيدة للطرفين الحكومي والإسلامي ولكنها بالقطع مضرة بكل مقاييس التنمية السياسية التي نصبو إليها في الأردن.
في كل خلاف بسيط أو كبير بين الحكومة والإسلاميين سوف تتهم الحكومة خصمها بالدعوة إلى التطرف والإساءة إلى الأردن وسوف يتهم الإسلاميون الحكومة بأنها تنفذ برنامجا أميركيا صهيونيا صليبيا اسطوريا لاستهداف الإسلاميين وحصارهم ، وبين هذه الإدعاءات تضيع القضايا الجوهرية ، في حال كانت هذه القضايا مطروحة أصلا للنقاش ، وهذا لم يحدث إلا نادرا.
النتيجة الأولى التي نلحظها لهذا الصراع الثنائي ، إن الحكومة تختار الحل السهل في الرد على جبهة العمل الإسلامي بدعم وتقوية الولاءات العشائرية والتقليدية في مواجهة الولاءات الدينية ، ولهذا نجد الحالة المأساوية في بعض المظاهرات حيث يرفع البعض شعار "الأردن أولا" ويرفع البعض شعار "الإسلام هو الحل" ولكن لا أحد يريد أن يناقش أو يقدم بدائل واقتراحات عملية توضح كيف يمكن لشعار الأردن أولا أو الإسلام هو الحل أن يقلل نسبة البطالة من 14% إلى 10% في العام 2010 لأن المهم ليس خدمة الوطن بل تحقيق الإنتصار في ساحة الوغى ، سواء كانت هذه الساحة هي في الشارع أو الانتخابات أو في الجامعات.
لا مخرج من هذا الوضع إلا في بناء تدريجي لحزب شعبي ديمقراطي وطني يعتمد على حقوق المواطنة والمدنية ويستثمر كل الطاقات الكامنة في الشعب الأردني ويدافع عن الثوابت الوطنية للدولة ، ولا يكون منبرا للحكومة ويكون حزبا ديمقراطيا يكفل حرية الرأي والتعبير ووطنيا يضع مصالح الأردن فوق كل اعتبار وقوميا يرفض الاحتلال الأميركي والإسرائيلي ويعمل على اتجاه بوصلة التنسيق العربي وحزبا قادرا على الدخول بثقة في عصر العولمة والحداثة ممثلا للديمقراطية الأردنية في ساحة الحضارة العالمية ، ولكن الأهم من ذلك كله أن يكون حزبا شعبيا له امتدادات وطنية واضحة في كل القرى والمخيمات والمدن في الأردن.
هذه مهمة ليست سهلة ، ولكنها ممكنة في حال توفر إرادة وطنية صادقة من قبل رموز تملك المصداقية في العمل السياسي الأردني. ان الهتافات والدبكات مجرد نشاطات ثقافية تعكس الهوية الوطنية ولكنها ليست أدوات عمل سياسي في مواجهة حزب منظم قوي يملك الثقة وخطاب تعبئة دينية فعال يجذب أعدادا كبيرة من الناس. ولا خير في أي سياسي في الأردن لا يبذل جهدا منظما للوصول إلى هذا الحزب الوطني المنشود الذي يجمع طاقات الأردنيين للبحث عن حلم أردن وطني ديمقراطي يكفل حرية التعبير وينبذ الإرهاب والتطرف والتعصب القبلي ويحقق تقدما نحو العدالة الاجتماعية والتنمية الوطنية والاستقرار الأمني المبني على توازن سياسي شعبي أكثر من المفروض بقوة الأمن.
التحدي الأساسي أمام الأردن هو تحدي التنمية والديمقراطية ، وبكل صدق فلا الإسلاميين ولا الحكومة قادران لوحدهما على خوض منافسة صحية لتحقيق التنمية والديمقراطية في الأردن. نحن بحاجة ماسة إلى حزب برامجي وطني واسع النطاق يمثل الإرادة الشعبية التي تم إختطافها سياسيا من قبل الإسلاميين واجتماعيا من قبل القوى التقليدية المحافظة واقتصاديا من قبل سدنة الاقتصاد الليبرالي ، وهي ثلاث جهات من المؤكد أنها ل تستطيع تقديم اي تطور ملموس في الحياة الديمقراطية وفي طموحات التنمية الوطنية في الأردن.