ما زال التاريخ في منطقتنا يحظى باهتمام كبير، وخاصة الشخصيات التي صاغت الأحداث، وتدخلت في صيرورتها، ومن بين أكثر الشخصيات التي لا بد لدارس تاريخ منطقتنا أن يقرأها بعناية الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه).
فالملك الحسين، أسس نهجاً يختلف عما ساد في أنظمة الجوار، في عقودٍ مضت، بني على التسامح، وقيم سياسية حافظت على انسانية الأردن ووجهه المتحضر، والمفارقة هي ليست أن تصنع هذا النهج في وقت المُطالبة به بل أن تتقدم عليه، وهذا سر الملك الحسين، إذ كان متقدماً في طروحاته على ما يريده الآخرون منه، مستشرفاً القادم.
فنظرة سريعة إلى ما كتبه عنه (مثالاً) جاك أوكونيل في كتابه "مستشار الملك" برغم الحاجة إلى مراجعته أكاديمياً وبحثياً، إلا أنه يبرز وجه التسامح الذي تأسس عليه وطننا، إذ يقول المؤلف إن أول لقاءاته مع الملك شهدت تسليمه قائمة لمعارضين من 22 شخصية، أعفى عنهم الملك الحسين جميعاً، بل وأوصلهم بنفسه إلى منازلهم في ميزةٍ أثارت الكاتب المنتمي إلى نظام غربي وثقافة ديمقراطية، لم تكن قد تشكلت بعد في منطقتنا العربية.
ويشرح المؤلف كثيراً عن الملك الحسين، ومواقفه التي يدركها الأردنيون أكثر من غيرهم، إذ إنهم لطالما حظيوا بمشهدٍ سياسيٍ تداولت فيه السلطة شخصيات وقوى حملت شعارات التأثر وحاولت صياغة تجارب "معلبة" مستوردة في وطننا، ولكن في النهاية يخرج نهج الهاشميين وأسلوبهم بالحوار منتصراً.
وهذا الإرث الهاشمي موصول بالأساس بمفردات الشرعية الهاشمية التي قامت على الانتماء للناس ومطالبهم والوقوف إلى جانبهم، والسعي لتحقيق الرفاه للانسان، وبسط العدالة للناس.
إن مطالعة ما كتب عن الأردن وتاريخه، يبرز هذه الملامح دوماً في وقتٍ باكر من عمر بلادنا، وما نراه اليوم من حالة "مطلبية" لربما جاءت إثر ما يمر به الوطن من ظروف صعبة، وتوازناتها بالاضافة إلى حفظ دور وكينونة الدولة، هو حوار ممتد لطالما كان فيه الانسان الأردني مدركاً لقيم العدالة والانسانية والتسامح التي امتازت بها الدولة، التي تأسست على شرعية موصولة من الحضور ..
واليوم، ونحن نلج مئويتنا الثانوية، فإن القضايا والهموم الأردنية لطالما تضاءلت أمام عظم مكتسباتنا، التي هي نتاج حالة متقدمة أدرك الهاشميون على الدوام حاجة الإنسان الأردني والعربي لها...