سلام الله على الاردن، وعلى شهدائه الابرار.
سلام على وصفي وهزاع...
سلام على الايدي الطاهرة التي لامست وجه الوطن بحنو وخشوع، وكانت تسهر في جفن الردى والناس نيام.
انثر ورودك يا وطني في دروب المعلمين، وسلم على رمس الحجايا ، وامتشق من روح هزاع ووصفي سيف المهابة والجلالة، وادعهم على شرف الاردن، ونبئهم عن قصة الوطن الذي اشتق من حدقات العيون، واليوم الذي ارتقى فيه الحالمون لأجل عزة الاردن، وطهر فلسطين.
واستدع حاضرة الشهادة والتاريخ، وابعث في الاجيال عاصفة لا تلين.
وجددي عهد الاوطان يا روح وصفي، ولا تغيبي عن مشهد يوم تنادى فيه الصادقون
انثر عبيرك يا وصفي فالأردن يشكو الحنين. وتقدم يا حابس في ساحات الوغى، وعطر باب الواد واللطرون.
واخرجوا يا بيارق المجد سراعا، واحتضنوا الحلم الوطني الكبير للناس الطيبين، وداو جرحك يا عالي الجبين، ولا تبتئس عليهم فما هي الا حكاية الاردنيين، فعلى حد الشرف دانت نفوسهم وكانت لا تلين.
ولا تغب عن مأزق الكرام، ومن انارت قلوبهم ساحات العز، وتواصوا بالخير في وطن مكين.
وانهض يا عهد الرجالات ولترتفع القامات والرايات، ولتنسج قصة الوطن الذي لا يغيب، ذاك الذي تسامى في ارواح الطيبين.
يا ايها الاردني الذي عصفت به السنون، وتكالب عليه الفاسدون، والناهبون، والعرب المتآمرون، والساسة البائسون، ومن جاءت بهم الصدف في عمر الزمان، انهض يا هذا الذي ما وهن يوما في وجه الردى، واستعلى بطيب التراب، وتدثر بالثرى العذب، واطلق في الكبرياء عمان، وهو الاردني الذي ما هان ، وما استكان، وما ذل لعهد الحيتان ، والولدان، والصلعان.
انبعث يا ايها التاريخ فاليوم على شرف الوطن يتنادى الاوفياء، ولتوف بعهد الشهداء، واحم الحمى الطيب، واحم الثرى الطيب من الارزاء، واخرج عليهم يا وصفي ، واسرد لهم نبأ الوطن الكامن في الضمائر والمتون.
وسلم عليهم انهم ما فتئوا يقبلون ثغر الموت اذا مس عمان طائف من الشر. فهم الكبرياء، واهل الوفاء، واوسمة من اباء على كتف الاردن الاعلى، ومن عيونه يشعون نظرة حالمة تعطر المدى بزهرة من امل، ومن رجاء.
وقد اشرق الحلم الاردني من حدقات عيونهم السود، ومن زنودهم، واستنارت عمان والمحافظات في الشمال وفي الجنوب تحت انوار قلوبهم.
فحمى الله الاردن املا وترنيمة صلاة، وحلما يكبر في القلوب الكبيرة، ولا يغفو، وابتسامة عذبة على فم صغير، وقطرات ندى تعانق غصنا اخضر.
فهو الاردني الذي وفى بعهده، واعطى من قلبه، وحفظ طهر الثرى، وما انثنى، وهو عماد الديار.
والاردن موئل الاحرار، والابرار، والخيرة والاخيار، وما وهن يوما في وجه المحن، واستعلى على العاديات والردى.
وما طأطأت هامة اردنية كللها الغار، فسقى الارض اللون الاحمر، وهمس في قلوب الاردنيين اغنية للحب والحياة.
وتظل شامخا يا ايها الاردن تطل من قلوب ابنائك خير بلد، وتسكن في حدقات العيون السود بقراك الصغيرة والمدن، وتغتسل بالادمع الحرى، وتخرج ابيض كالضحكة على شفاه الاطفال، واحتفالا في الروح يجيء في كل موعد.
ها انا اراك تأتي بسمة من قلوب صغيرة اودعت حنينها على الطرقات، وما تزال تمشي.
فهي اغنية للتراب الاغلى من الذهب، فدم يا وطنا لم يغادرك الشهداء، ويا ارضا اختلطت بالانفس الطيبة، وبالناس
الطيبين.
ويا مدنا كالحلم تغفو، وتستيقظ عذبة طيبة، ماء، وسماء، وحبات رمال، وقطرة ندى فوق زهر اللوز في اللويبدة، وحلاوة المدى في عجلون، وليال طويلة في الطفيلة، ولوحة من نقاء في الكرك، عيون صافية في مأدبا، وزرقة وخيال في الزرقاء، والليل المؤنس على اوتار ربابة جنوبية، والاضواء على حدود النظر في السلط، والانسان الذي لا يتوقف عن عشق التراب ، ويبدل روحه بلحظة عز.
فهو الاردني الذي يتجلى بالكرامة، ويكون اول من يهدي للموت نفسا اذا عز الرجال، فلا نكث وعدا، وما صغر قامته، وما تنكر وما انحنى، وما اعطى للواجب ظهره، وظل يقف في الصف الاول من امته، ويعطي من قلبه الكبير، ويعيش على اعصابه ان مس الشر عربيا في اي موقع، مهيوبا اردنيا لم يبخل بالحب، والدم معا، وظل يمد روحه في كل الشوارع العربية.
فدم شامخا لا تبدلك الانواء يا وطني، وارفع قامة اردنية تعلو فوق الجراح، ولتعلو رايتك باسم الله خفاقة، فلا انحنت لهم هامة، ولا والله ما عرف الخوف طريقه الى قلوبهم، وما ذلوا وما وهنوا ولاقوا قسوة الايام ضاحكين.
وانت يا عمان كأنك مراجيع ليلة اسهرتها رؤى الاماكن القديمة، بيضاء من نسج الخيال.
كأنك حلم مطل على الروح لم يكد ينفض من ذاكرة الايام، ووجهك الوضاء تباشير فرح، ومفاتيح امل، وامنية تحط في ارواح الاردنيين، على وقع الحنين.
ان الهوى ما يزال نديا، وسقى الله زمانا فيك اخضر، وهدأة ليلك مراويد كحل صبايا تضيء الصباحات، وجذوة الحنين في الحارات، واحلام الزمن الجميل.
فعمان باحة لا يفارقها الفرح، واغنية تجيء في كل موعد، بيضاء تشرق من وجوه الطيبين، والوجوه العابرة في طيفك البلوري لوحة من نقاء واباء، وصفاء يكللها الحنين، والمارين بين اجفانك يغذون الخطى نحو مستقبل يستلقي على ضفاف الروح، والاماكن التي تحدث عن قصص تفيض بالشوق واول الحب، وترويدة الحياة.
عمان يا نكهة المساءات... يا قمر الليلة العربية، يا عروس الشرق، وحلم الشاعر، يا روعة الايام، وعبير الصباحات، يا الليلة الساهرة، يا زاهرة، ان احبابك انجم فجر يقفون على اعتاب قلبك ما دمت آسرة، وضل الهدى من لم يتنسم باطيابك، واغتسل بمآقيك الساحرة.
حلوة الحارات طابت لياليك وطاب الهوى فيك، فالمحبون الطيبون حنينهم لم يقطع الطرقات ، اولئك الذين اجروا في قلبك دماء الحياة، ولاقوا حتوفهم فرحين، وكانت حياتهم وكان مماتهم لاجل طهر الثرى، والبطل الذي ما انثنى، لمن غابوا من مشهد الوطن، وظلوا تزفهم زغاريد الصبايا الى الفرح الاخير. فان الاردن مهوى الشهداء.
ان الذين رحلوا من اجل عينيك احياء عند ربهم يرزقون، والمحبون الابديون لا يغادرون الذاكرة ، ومضوا مصابيح الدجى، كليلة اقمار وانوار ، وتظاهرة عشق على شرف الارض، كانوا يسهرون في جفن الردى والناس نيام، ويلامسون وجه الوطن بحنو وخشوع، وعند حبك اوقفوا مشوار العمر، وارواحهم تطوف حول حلم لم ينقض عهده.
وان الاردن تحميها المآقي، وتسورها القلوب، والى قلبها كل الدروب تقود.