من المؤكد وفقا لمعلومات ذات مصداقية ان تقييمات وضع حكومة الرزاز هذه الأيام تخضع لاتجاهين متناقضين، الأول يريد ترحيلها، كليا، والثاني يريد بقاء الرئيس تحديدا.
هذه الحالة من التجاذبات غير المعلنة كانت مستمرة طوال الأشهر القليلة الماضية، غير ان ملف المعلمين دخل على الخط، وأدى شكلا إلى تعليق مؤقت للتقييمات بشأن حكومة الرزاز، وللمفارقة فإن القوى المؤثرة كانت ترى في ملف المعلمين فرصة لتعميق هذا الاتجاه أو ذاك، اما ترحيل الحكومة كونها لم تنجح في معالجة الملف، واما التجديد للرئيس الذي لم يكن منفردا بالقرار بشأن ملف المعلمين.
إذا كان ملف المعلمين على ظاهر السطح قد أدى الى تعليق التقييمات حول الحكومة، الا انه كان من اشد الملفات توظيفاً من جانب مراكز القوى بخصوص الحكومة، اذ ان الكل كان يريد الدفع بالحكومة ورئيسها نحو حافة معينة، واذا ما كانت الحكومة قد نجحت او فشلت، في عبور هذا الامتحان، الذي شهد في الظلال تحريكا من جانب كثيرين في سياقات سياسية تتعلق بغايات تريد الإطاحة بالحكومة، او حتى تثبيتها في وجه القوى التي تتحرك على ذات المسار، فقد كنا جميعا أمام اضراب مشروع، لكن كثرة لم توفره لحساباتها، وانا هنا اتحدث عن قطاعات ليست على صلة
بالمعلمين أساسا، بل ركبت الموجة سرا وعلنا.
اليوم تتنفس عمان بهدوء، بعد انخفاض الضجيج، اذ اننا اعتبارا من اليوم أمام ذروة التقييمات والتعقيدات بشأن الصراع حول بقاء الحكومة أو رحيلها، وتناقض التقييمات التي تريد الخروج بخلاصات محددة على أساس ملف المعلمين، وغيره من ملفات من اجل الدفع بالمشهد المحلي نحو نقطة معينة مطلوبة مسبقا، من جانب هؤلاء، ولا تقف عند ملف المعلمين الا كذريعة إيجابية او سلبية، يتم توظيفها في المرتين.
هناك اتجاه يرى ان الحكومة احترق رصيدها كليا، ويجب ان ترحل رئيسا وطاقما، سواء خلال هذه الفترة، أو عبر الانتظار إلى بدايات الربيع المقبل، وهذا الاتجاه يفضل ان لا يجري تعديل واسع على الحكومة، وان يتم التجهيز لبديل للرئيس منذ هذه الأيام، من اجل اجراء الانتخابات، أو حتى إعادة تشكيل الحكومة، ويريد أصحاب هذا الاتجاه توظيف ملف المعلمين وملفات أخرى للتأكيد على رأيهم ان الرئيس غير قادر على قيادة الحكومة، وان شعبية الحكومة انتهت تماما، وهم يستعملون كل الوسائل التي بيدهم سياسيا وإعلاميا وغير ذلك من اجل الدفع نحو هذا السيناريو، دون ان يتنبه هؤلاء إلى أن هناك قوى مضادة تعرف مآربهم مسبقا، وقد لا تتجاوب معهم، لكونها تعرف ان دوافع أصحاب هذا الاتجاه، ليست تحليلية بحتة، بقدر خضوعها لدوافع تتقصد التخلص من حقبة الرزاز.
الاتجاه الثاني، وهو قوي بالمناسبة، ويدرك اسرار الاتجاه الأول، وكيف تجري اللعبة في عمان، ويريد ان يتحدى الفريق الأول وكسر قواعد لعبته، عبر إعادة التجديد للرزاز شخصيا، بل واجراء تعديلات دستورية لا تجبره على الاستقالة اذا حل البرلمان، إضافة الى منحه مساحة واسعة من اجل تعديل وزاري واسع، وهذا الاتجاه يرى ان الرزاز ليس مذنبا في إدارة ملف المعلمين كون الإدارة كانت جماعية، وليست ادارته وحيدا، إضافة إلى أن الحكومة أمام ملفات اقتصادية صعبة، لا بد ان تتعامل معها، وان شخص الرئيس وفقا لهؤلاء يجب ان ينجو من أي تقييمات، حتى لو أدت الى تغيير اغلب
الوزراء، فيما يجب ان يجدد له شخصيا لاعتبارات مختلفة، وتغطية وجوده سياسيا خلال الفترة المقبلة، ويستبصر أصحاب هذا الاتجاه الخارطة بطريقة مختلفة، ترى ان خصوم الرزاز يتوجب كسر اشرعتهم، وكف أيديهم، لاعتبارات تتعلق بتحجيمهم واعادتهم الى مربعهم الأساس.
اتجاهان يتصارعان منذ فترة طويلة، سرا وعلنا، وأصحاب الاتجاهين يعرفان ان ملف المعلمين مثل مفرق طرق، ستكون خلاصاته مهمة جدا، لتقييم المشهد برمته، وهذا يعني ان هذه الأيام، وتلك الأيام المقبلة، ستكون حاسمة جدا، في تحديد بوصلة المشهد، والى اين تجري الأمور، التي في ظاهرها قد تتحدث عن وضع الرزاز وحكومته، لكن في باطنها تؤشر على اتجاهات التنافس الجارية بين قوى كثيرة، ومن حسم الأمور لصالحه.
الغد