يُسجل للمعلمين أنهم صنعوا حِراكاً مطلبياً مُحِقاً سيذكره التاريخ وسيُدّونه كأحد تجارب إنتزاع الحق والدفاع عنه.
شهدنا خلال أسابيع ثلاثة مضت حالة ديمقراطية صحية كان بطلها "المعلم"، ومعه أهالي الطلبة وذويهم، والعديد من مؤسسات المجتمع المدني، في المقابل كان الطاقم الحكومي الذي أدار الأزمة بحلول ومخارج عمقت من الأزمة بدلاً من أن تحلها!

تابعت حراك المعلمين، وأعجبت بمستوى الاحساس بالمسؤولية والوعي، وراق لي حجم التفافهم حول مطلبهم الموحد، كان درساً جديراً بأن تتعلم منه النقابات التي تعود نشاتها لأكثر من ستين عاماً، وكان جديراً بالأحزاب جميعها دون إستثناءأن تتعلم منه وحدة الخطاب والهدف والوسيلة، لقد كان حراكاً منظماً منزّهاً عن الأجندات العابرة التي لو اخترقته لحكمت عليه بالفشل.

لجأت الحكومة الى الحل الأمني اولا لقمع اعتصام تمت الدعوة اليه علناً ومسبقاً، وحق التعبير عن الرأي حق دستوري وقانوني مصان لكل مواطن، ثم أتبعته بسلسلة اجراءات ادارية بعدما تجاوزها المعلمون، ثم حاولت الحكومة تسويق حوار بشروطها في محاولة للخروج من أزمتها ، ثم بدأت حملة اعلامية بائسة، وكل ذلك للمناورة وشراء الوقت وإنكار أصل الخلاف وهو علاوة الـ 50 %، التي لم تعد متعلقة بوضع اقتصادي يعاني منه المعلمون بمقدار ما أصبحت مطلب كرامة وعدل.

ومع ذلك، أحسنت الحكومة بإعتذارها، وهو اعتذار لم يكن لينقص من هيبتها، التي أدركت أنها صارت على المحك، وليس الوارد البحث في توقيته، بمقدار أنها ادركت خطئها والبناء عليه للبحث عن حلول ترضي الجميع، تجعل من الوطن هو الكاسب في نهاية المطاف.

أدرك أن عدداً من الاجراءات مسّت المعلمين، وأعلم أن يوم الخامس من الشهر الماضي قد ترك في ذاكرتنا ندبة من الصعب نسيانها، لكننا كأردنيين جميعاً، وأفراداً وجماعات، مؤسسات دولة ومجتمع مدني يجب أن ننظر إلى الأمام، وأن نتسامى عما يعكر صفو مجتمعنا القوي بتلاحمه، والأهم أن نتعلم من تجاربنا الدروس، كما غرس فينا معلمينا الأوائل، وأعتقد أن الحل الذي توافقت عليه النقابة والحكومة يلزمنا أن نحترم قرارهما إنسجاماً مع احترامنا لمؤسساتنا الوطنية.

لقد كانت تجربة عاشها الأردنيون بكل تفاصيلها وصنعوا منها النموذج الديمقراطي المشرف الذي يحق لنا كاردنيين أن نعتز به ونفخر.